August 25, 2012

الإسلاميون

..
الإسلاميون
بشير نافع
الجزيرة الوثائقية 2009/2010
..

قام الدكتور بشير نافع بعمل يشاد به في هذه السلسلة الوثائقية رصد فيها تاريخ نهضة الحركات الإسلامية السياسية في العصر الحديث في مصر وتونس والسودان وسوريا وفلسطين ولبنان وتركيا وإيران وأفغانستان وباكستان والهند وصدى هذه الحركات على المسار السياسي العالمي. المادة العلمية جيدة جدا والشهادات والآراء الموردة أغلبها من شخصيات مهمة بارزة لها احترامها في هذا المجال ومتنوعة الاتجاهات.
يعيب هذه السلسلة الوثائقية أنها لم تتطرق ولو باليسير إلى الجانب الفكري التنظيري لهذه الحركات الإسلامية وهو في الحقيقة أهم جوانب دراسة هذه الحركات وأهم ما سيبقى منها للتجربة البشرية أكثر من تفاصيل خوضها غمار السياسة. فحلقة سيد قطب مثلا لم تتضمن إشارة ولو قصيرة إلى أفكاره الدينية التي جعلت منه شخصية بارزة في الحركة الإسلامية الأصولية في العالم. أشارت الحلقة إلى نشأته وتجربته في النقد الأدبي ثم أسهبت في علاقته مع الضباط الأحرار وعبد الناصر بشكل خاص ثم خلافهم ومعاداتهم واعتقاله ثم إعدامه. وعلاقته بتنظيم الإخوان المسلمين ولم تتطرق إلى أفكاره ومعتقداته التي بلورها في رؤيته للمجتمع الإسلامي.
تكون بذلك السلسلة رصدا متميزا غير مسبوق للجانب السياسي والتاريخي للحركات الإسلامية لكنها لا تستطيع تكوين رؤية متكاملة ولو مختصرة لهذه الحركات بهدف الدراسة. تستحق في هذا الجانب الذي ارتضاه بشير نافع إشادة بالعمل الأكاديمي والفني.

عقيدة المسلم

..
عقيدة المسلم
محمد الغزالي
دار الدعوة 1988
..

يكتب الغزالي في هذا الكتاب عن أخطاء طالت العقيدة الإسلامية وابتعادها عن صفاءها الأول وعن الحجج التي يسوقها المنكرون أو تلوح للمؤمنين كمآخذ على تلك الشريعة. فلم يكن الكتاب عن العقيدة الإسلامية بشكل أكاديمي شامل وإنما رد فعل على بعض القضايا حول هذه الشريعة، فكان الكتاب ينقصال كثير لا سيما وأن الكاتب تعمد كذلك عدم التعمق في القضايا العقائدية التي تناولها علم الكلام وعلوم أصول الدين في الماضي بالإسهاب والتفاصيل، برؤية عدم ضرورة إدخال القارئ في مجادلات لا طائل ورائها ولا فائدة. فقط في مسألة القضاء والقدر ناقش الأمر بشيء من الإسهاب اليسير فكون فكرة جيدة للتعامل مع القضاء والقدر بدون إنكار عمل الإنسان.

July 16, 2012

نحو تيار أساسي للأمة

..
نحو تيار أساسي للأمة
طارق البشري
دار الشروق 2011
..
الكتاب يناقش فكرة التيار الأساسي الفكري والسياسي للأمة التي من خلاله وفي إطاره تختلف الإتجاهات وتتباين وتتبادل المواقع والمناصب والقوة التأثيرية في الرأي العام. يتحدث عن مفهوم هذا التيار وعوامل تكوينه ومعوقات وجوده.

من خلال هذا يناقش العديد من النقاط الهامة التي لها صلة مباشرة في هذا التكوين من أهمها نقطتان :

الأولى: التنظميات المجتمعية.
في عملية بناء التيار السياسي الفكري الأساسي للأمة يركز البشري على نقطة مهمة جدا يذكرها في تحليلاته السياسية كثيرا، وهي التنظيمات المجتمعية ودورها في تشكيل الإتجاه السياسي والثقافي والفكري في المجتمع وكيف تم إفراغها من دورها بداية من القرن التاسع عشر إلى هذه الأيام. ليست فقط النقابات المهنية والعمالية هي ما يُقصد بهذه التنظميات المجتمعية ولكن أيضا بالجمعيات التعاونية التي علا شأنها كثيرا في العشرينيات من القرن العشرين ثم أخذت في التراجع ولم يرتبط أعضاؤها بها بما يحافظ على وجودها عبر التغيرات الكثيرة الطارئة. 

الثانية: ضرورة التناغم بين الإصلاح الفكري والإصلاح المؤسسي.
وذلك بما يضمن لكل منهما مرتكزا على الآخر؛ فيضمن للإصلاح الفكري مؤسسات يمارس من خلالها هذا الدور، ويضمن للإصلاح المؤسسي قاعدة فكرية تحافظ على دوره وتحميه من العصف الفكري الذي يفقده هويته. وأعطى لذلك مثالا هاما، وهو الإصحلاحات المؤسسية التي قام بها السلطان محمود الثاني في اسطنبول ومحمد علي في مصر في القرن التاسع عشر. كانت هذه الإصلاحات بعيدة عن الإصلاحات الفكرية فلم تصمد طويلا أمام هجمات التغريب التي قامت بها الدول الغربية واصطبغت سريعا بهذه الصبغة الأوربية بما فرغها من هويتها وعزلها عن ثقافة المجتمع، فأنشا محمد على المدارس في الثلاثينيات ولكنها لم تلبث إلى أن تحولت لمؤسسات غربية في الثمانينيات تحت حكم الخديو توفيق.

July 12, 2012

مستقبليات، مصر والعرب والعالم في منتصف القرن 21

..
مستقبليات، مصر والعرب والعالم في منتصف القرن 21
جلال أمين
كتاب الهلال 2004
..
الكتاب جيد في منطقه بإطلاق توقع المستقبل أوسع رحابة من مجرد امتداد الحاضر على استقامة الماضي، لأن التاريخ لا يني يفاجئنا بتحولات حادة في مساره. فالتخطيط للمستقبل -الذي يعد الآن أحد عوامل الحكم على تقدم النظام في أي بلد- لا بد أن يتعامل مع المستقبل على هذا الأساس.

من أهم نقاط الكتاب أيضا فكرة تغير النظم الاقتصادية والاجتماعية مع الزمن تغيرا كبيرا لتنتهي بصورة مغايرة عما بدأت عليها رغم استمرار احتفاظها بنفس الإسم القديم. كالرأسمالية؛ ليست الرأسمالية الحالية هي الرأسمالية التي أنشأ عليها كارل ماركس نظريته ومبادئ الفكر الماركسي، كظهور الشركات المساهمة -التي يملكها ملايين صغار المساهمين- داخل النظام الرأسمالي نفسه !، ولكن لا نستطيع أن نقول بذلك أن الرأسمالية القديمة قد سقطت. هي تغيرت وطرأ عليها الكثير لتنتج نظاما أقدر على المواصلة عبر الزمن المتغير بطبيعته.

عن العدالة الإجتماعية يقول جلال أمين أنها فكرة موازية للتواجد البشري في كل مجتمع ورغم ذلك هي متغيرة بتغير العصر؛ فحين بدأت فكرة مجردة في المجتمعات البدائية كانت مجرد إشباع الحرمان، وعندما تحدث عنها اليونانيون القدامى لم يكن من الطبيعي وقتها تطبيقها على الرقيق، بل من بديهيات عصرهم أنهم لم يفكروا بذلك من الأساس. وأن ارتباط قيمة العدالة الإجتماعية بتوزيع الناتج القومي ارتباط حديث العهد لأن فكرة الناتج القومي نفسها بالطبيعة لم تكن موجودة قبل أن تنشأ فكرة الدولة أو الأمة ككيان مرتبط -اجتماعيا وثقافيا وجغرافيا وتاريخيا- حتى يتم توزيع ناتجه على من يقعون في نطاقه. وعلى ذلك فمن الطبيعي أن تتغير فكرة تطبيق العدالة الإجتماعية وآليتها كثيرا في المستقبل عما نفكر به الآن.

July 11, 2012

خُلسَاتُ الكَرى

..
دفاتر التدوين: الدفتر الأول ، خلسات الكرى
جمال الغيطاني
دار الشروق 2003
...
وصل جمال الغيطاني في كل نصوصه، وفي نصوص دفاتر التدوين بشكل خاص، إلى مبتغاه في خلق نص متفرد، متميز، غيطاني. إحاطته باللغة وقراءته المتعمقة للتراث مكنتاه من هذا التوصل بلا تكلف ولا ابتعاد عن القارئ في ألفاظ غريبة غير مستعملة.

يدون في الدفتر الأول عن مراحل الشروع، والسعي، والبلوغ، ... أين تبدأ كل مرحلة وأين تنتهي، وما يتخللها من تغير في الإيقاع والعزم.
للدفتر وحدة بنائية واحدة محكمة، فإن كان كل منها شاملا المراحل الثلاث فإن هناك ميلا ما في الفصول الأولى إلى الشروع ثم تتوالي الفصول إلى الميل إلى السعي ويتنهي الدفتر ببلوغ المقصد؛ بلوغ المقصد كفكرة مجردة، وبلوغ مقصد الدفتر ذاته.

May 16, 2012

حديث الصباح والمساء

..

حديث الصباح والمساء
نجيب محفوظ
الطبعة الأولى 1987
..

الرواية قبل الأخيرة لمحفوظ كتبها بعد ما قارب نصف قرن كامل في كتابة الرواية (عبث الأقدار 1939 – قشتمر 1988، التي سبقتها حديث الصباح والمساء 1987). خلق فيها الحياة نفسها. ابتعد قليلا عن التركيز على المكان كأحد أهم عناصر البناء الروائي بالاقتراب أكثر إلى تفاصيل نسج حياة كاملة. أجيال متعاقبة؛ خمسة أجيال ومشارفة السادس تمتد على قرنين من الزمان، من نهايات القرن الثامن عشر حتى أواسط ثمانينيات القرن العشرين. من دخول نابليون مصر إلى ما بعد مقتل السادات مرورا بامتلاك محمد علي ولاية مصر وحكم أبناءه والثورة العرابية وثورة 19 وتجربة الوفد وانقلاب 23 يوليو العسكري والتجربة الناصرية وهزيمة 1967 ثم موت عبد الناصر وحرب 1973 ثم عصر الانتفاح الاقتصادي. رغم كثرتها لم يمر محفوظ على تلك الأحداث العظام مرور الموجز، فقد أخذ منها بمقدار ما أخذت الحياة نفسها منها باختلاف درجات تأثيرها على سير الحياة الذي لا يتوقف كثيرا عند شيء. اقترب من أثرها على الشخصيات وانفعالاتهم أو مشاركاتهم فيها باختلاف توجهاتهم الشخصية والسياسية التي تجمعهم وتفرقهم.
البناء الروائي بإفراد فصل لكل شخصية يركز على فكرة نسج الحياة بالشخصيات والأجيال المتعاقبة وأن وحدة هذا النسيج هي الشخصيات نفسها وليست الأحداث التي تمر عليهم. ثم ترتيب هذه الشخصيات ترتيبا أبجديا يؤكد –مرة أخرى- على مساواتهم  في نصيب كل منهم في نسيج هذه الحياة فلا هو بالأقدم فالأحدث جيلا ولا بالأكثر حظوة في الحياة.
***
سأله جمال الغيطاني في أحد مجالسه عن الرواية الأقرب إليه في رواياته، أهي الحرافيش أم حديث الصباح والمساء؟، فأجاب بأنها الحرافيش. وأضاف بأن الإنسان يتأثر أحيانا بآراء الآخرين فكانت الحرافيش أقرب إليه، لكنه يرى أن حديث الصباح والمساء أكثر أهمية.

May 14, 2012

عصر الجماهير الغفيرة

..
عصر الجماهير الغفيرة
جلال أمين
دار الشروق 2003
.. 
يناقش الكتابُ المتغيراتِ الواقعة في مجالات الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية نتيجة لزيادة الحجم المؤثر من السكان أو "الحجم الفعال للسكان" بما أسماه الكاتب نظرية "عصر الجماهير الغفيرة" وذلك بتحليل إمكانية إعادة توجيه هذا الحجم الفعال من السكان لمختلف هذه المجالات بما يتوافق مع متطلباته.
النظرية هامة في تحليل التغيرات المختلفة الطارئة على مصر وعلى غيرها من دول العالم من منتصف القرن العشرين أو قبله بقليل بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية وبداية "العصر الأمريكي" وسطوع النموذج الأمريكي في الحياة كمثل أعلى للدول وللأفراد سواء. فكما يعيد هذا الحجم الهائل الفعال من السكان "الجماهير الغفيرة" ترتيب أولويات السوق والاقتصاد، كانت أيضا هذه الجماهير الغفيرة نفسها أداء طيعة القياد في يد من يريد أن يتحكم بالتوجه العالمي الإستهلاكي أو الثقافي بإقناع هذه الملايين بأهمية هذا المنتج أو هذه الفلسفة أو الثقافة ... بما يحقق أهدافه الإقتصادية أو السياسية أو كلاهما في معظم الأحيان.
كان عام 1952 في مصر هو مفتاح دخولها هذا العصر الجديد، بدخول شرائح كبيرة من الطبقة الدنيا إلى نطاق الطبقة الوسطى المحركة الحقيقية للسوق وللثقافة بحكم إتساع نطاقها وعدم قدرة الطبقات أو الثقافات الأخرى من الثبات أمامها. ففي الثقافة على سبيل المثال، بعد أن كانت تعنى المجلات الثقافية قبل ذلك بذوق عال في الثقافة لأنها كانت تخاطب طبقة صغيرة ذات ذائقة متميزة بحكم تعليمها وإطلاعها على مختلف الثقافات الأخرى، دخلت الجماهير الغفيرة في نطاق الحجم الفعال للسكان فأنتجت معها ما يلاقي احتياجتها وذائقتها الثقافية، بحكم التعليم السطحي السريع البسيط الشائع، من مجلات وصحف تتهم بالتوزيع لهذه الأعداد الكبيرة لتحقيق الربح المادي فتوجهت لما تريده من تشويق إثارة في حوادث القتل والسرقة والفضائح الاجتماعية والجنس، وبالتأكيد لم تستطع المجلات التي تقدم ذوقا أرقى من الصمود أمام هذا الزحف الجديد فإما توجهت إليه رغم عنها لتلاقي متطلبات السوق أو أغلقت أبوابها متمنعة الاشتراك في هذه المهزلة الثقافية. في هذه الحالة تحاول المؤسسات الثقافية التي لا تهدف للربح وعلى رأسها المؤسسات المملوكة للدولة تشجيع التيارات لنشر ثقافة أرفع وتساندها للصمود وسط هذا الزخم الذي لا يهمه إلا تحقيق الربح المادي بإشباع الرغبات الشعبية مهما كانت منافية للذوق وللثقافة، كما فعلت روسيا الإتحادية، ولكن في مصر كانت الدولة تساند الإعلام والثقافة لكن في اتجاه إنتاج ما يساندها هي سياسيا وليس هناك ما يمنع من تسطيح ثقافي طالما يصب ذلك بشكل غير مباشر في مصلحتها السياسية.
 ***
قدم الكتاب هذه النظرية بتحليل جيد في الفصل الأول ثم تلته بعد ذلك فصولا كثيرة تحاول تطبيق النظرية على مختلف المجالات كالصحافة والثقافة والاقتصاد والسياحة والأزياء وغيرها، منها الفصول التميزة كالثقافة والإقتصاد والصحافة ومنها ما ابتعد تماما عن النظرية موضع الدراسة "نظرية الجماهير الغفيرة" فكانت تحليلاتها تُدرج تحت نظرية "الحراك الإجتماعي" التي ناقشها الكاتب في كتابه "ماذا حدث للمصريين ؟" كفصل الأزياء الذي يحلل فيه الأزياء في المجتمع المصري وخاصة في الجامعة والمواصلات العامة وما طرأ عليه من تغيير ناتج عن الحراك الإجتماعي السريع بين الطبقات، وغيره من بعض الفصول. بعض الفصول الأخرى أبتعدت أكثر فوقع فيها الكاتب نفسه في النموذج الذي يقدمه في الكتاب فكانت الفصول ممتدة ومطولة بشكل مترهل دون أن تقدم شيئا جديدا أو مهما، كالفصل المسمى بقطار الصعيد؛ أعاد فيه الكاتب نفس الفكرة عشرات المرات وأسهب في تشبيهات وتحليلات أحالت النص لتقرير صحفي لمحرر مبتدئ في جريدة محلية، و امتدت بعض الفصول الأخرى بطرائف وإسقاطات أقرب للتهكم والتسلية منها للتحليل العلمي أو الاقتصادي أو الفلسفي، فكانت النتيجة بعض الصفحات التي تزيد من حجم الكتاب فأضرت به أكثر مما نفعته ووقع في نموذج تقديم ما تريده هذه الجماهير الغفيرة التي يتوقع أنها ستقرأ الكتاب وما يلاقي متطلباتها من طرفة لا علاقة لها بالموضوع وضغط على مشاعر سطحية للتعاطف مع الطبقات المقهورة في المجتمع وما يريده الناشر من عدد أكبر للصفحات يسمح له برفع سعره في المكتبات.
 ***
لا أقلل بذلك من أهمية الكتاب لكن بقدر أهميته، وأهمية الكاتب، يلاقي من النقد.

April 1, 2012

كلمات

..
كلمات، التقاط الألماس من كلام الناس
يوسف زيدان
نهضة مصر 2008
..
بفتنة اللغة العربية البديعة يكتب يوسف زيدان عن كلمات ملتبسة المعنى أو منقلبة إياه كلية في استخدامها عن معناها الأصلي، ففي كل فصل من الكتاب يأخذ الكلمة نقطة محورية ليدور حولها كاشفا الكثير من الالتباسات التاريخية أو الفلسفية أو اللاهوتية أو غيرها من الالتباسات التي تغلف واقعنا بطبقة سميكة من الجهل. يرجع في بعض الفصول الألفاظ العامية –أو التي نظن أنها عامية- إلى أصولها وكيف انتهت إلى هذا الاستخدام الشائع.

أرى منجز يوسف زيدان ورسالته الفكرية في مقالاته تعلو بأهميتها كثيرا عن منجزه في الروايات -التي لا أقلل منها بالطبع- ولكن لا أستطيع تجاوز الفرق في وضوح وأهمية منجزه الفكري المباشر في تلك المقالات والكتب الفكرية لما يعطيه من مجال أرحب في التحليل والمناقشة والتساؤل والنقد. أنتظر لذلك كتابا سيصدره قريبا جامعا فيه بعض مقالاته السباعية الهامة المنشورة في صحيفة المصري اليوم بعد إعادة تنقيحها لتناسب الإصدار الجامع في كتاب. 

March 30, 2012

تاريخ الحركة القومية وتطور نظام الحكم في مصر




تاريخ الحركة القومية تحت الحكم العثماني والبكوات المماليك ثم الحملة الفرنسية على مصر وخروجها إلى تولي محمد علي ولاية مصر 1517 – 1805.
أول جزئين في سلسلة تاريخ الحركة القومية لعبد الرحمن الرافعي المؤرِخة ككل من 1517 إلى 1959 في 15 جزء.
إصدار دار المعارف 1987

يلتزم الرافعي في تأريخه بالحيدة في نقل الخبر من مصادره المختلفة وتوضيح قوة أو ضعف هذه المصادر إن اختلفت في الحدث، وإن كان يؤخذ عليه الميل لوجهة نظر معينة في الفترة التي عاشها بنفسه وذلك لاضطلاعه في الأحداث ومشاركته المباشرة فيها فلم يستطع أن يجنب تأريخه وجهة نظره الخاصة ليترك الحكم الآخير للتاريخ بعد نقل الأخبار من كافة جهاتها بشكل حيادي. لكن على كل حال فذلك لم يكن موجودا بالطبع في تأريخه لهذه الفترة في أول جزئين من سلسلته.

أوجز الرافعي في الجزء الأول الحالة العامة في مصر تحت الحكم العثماني في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية وسيطرة المماليك على مصر مرة أخرى تحت حكم صوري من الباب العالي بتركيا. ثم فصل أسباب الاحتلال الفرنسي لمصر في ضوء العلاقات والحروب الدولية في أوروبا بين المعسكر الإنجليزي والمعسكر الفرنسي.

لا أعلم كيف يُدرس التاريخ للطلبة في المدارس المصرية فيقول أن الحملة الفرنسية كانت خيرا على مصر؟!!! وفي أفضل التحليلات يقول أنها كانت خيرا وشرا معا موضحا تفاصيل كل وجه من هذا العبث التاريخي الذي يلصقونه بذاكرة الطلاب الخاوية من ما يعيد ترتيب هذه التحليلات المضللة.
يتحجج المحللون ذلك أن روح الحركة الوطنية في مصر بدأت في الظهور مع احتلال الفرنسيين أهل الحرية -بعد ثورتهم الأشهر في التاريخ الإنساني- لمصر. بالله كيف تدخل البلاد عصر الحرية باحتلالها !!!
الحق أن الفرنسيين أرتكبوا في مصر من الجرائم والفظائع ما يجعل تلك الفترة من أصعب الفترات على الشعب المصري في تاريخه، فكان الفرنسيون لا يتورعون عن التنكيل بالمصريين وقتل وحرق قرى بأكملها إن هي تأخرت عن دفع ضريبة واحدة من الضرائب العديدة المفروضة عليها، أو اعتقال شيوخ هذه القرى إلى أن يذعن الأهالي ويدفعوا الضرائب رحمة بشيوخهم من المذلة.
لم يجد المصريون طريقا آخر يسلكونه أمام هذا الاحتلال غير مقاومته بكافة السبل الممكنة؛ بمقاطعة الفرنسيين أو بالامتناع عن دفع الضرائب أو بالثورة المسلحة المباشرة ضد العسكر الفرنسيين التي حدثت مرتين بقيادة شيوخ الأزهر في فترة الاحتلال الفرنسي.
احتل الفرنسيون مصر صراحة كخطوة في معركتهم التاريخية الكبرى مع الإنجليز في أوروبا بقطع خطوط تجارة الإنجليز. فلا هم جاؤوا مصر لمحاربة المماليك -الذين افسدوا مصر من قبلهم- كما أدعوا؛ فقد تحالف الفرنسيون مع المماليك ضد الحملة الإنجليزية-العثمانية في معاهدة مراد / كليبر، ثم ضد الشعب المصري بتولية كبيرهم مراد بك واليا على الصعيد تحت حكم الفرنسين. ولا هم كانوا ندا للعثمانيين في مصر لإنقاذها من السطو على كل موارد البلاد بصالح الباب العالي في تركيا؛ فقد تأرجح موقفهم كثيرا مع العثمانيين بين التحالف والمقاطعة والمواجهة الحربية المباشرة، بما تمليه عليهم الظروف الدولية لمصحلة فرنسا العليا وسباقها في كسب ود الباب العالي وحلفائه في أوروبا.
كانت مصر قطعة شطرنج يلعب بها الفرنسيون والعثمانيون والإنجليز والمماليك في تلك الفترة.

خرج الفرنسيون من مصر بعد أن أصبح بقاؤهم مستحيلا بعد تحالف الإنجليز والعثمانيين وتشكيل حملة عسكرية بقيادة الصدر الأعظم يوسف باشا ضيا وانضمام المماليك لهم بقيادة عثمان بك البرديسي وثورة المصريين على القيادة الفرنسية بالقاهرة مما أفقدهم السيطرة على البلاد من مختلف الاتجاهات. ومن قبل ذلك لانقطاع الصلة بين الجيش الفرنسي في مصر وبين القيادة في فرنسا بعد تحطم الأسطول الفرنسي في البحر المتوسط في معركة أبي قير البحرية على يد الأسطول الإنجليزي ولقيادة الجنرال منو الضعيفة والمتخبطة للجيش الفرنسي بعد مقتل الجنزال كليبر وسفر نابليون لفرنسا.

سقطت مصر بعد ذلك بين القوى الثلاث المتبقية تتصارع عليها العثمانيون والإنجليز والمماليك. وخلال ذلك أخذ القائد العسكري لأحد الكتائب الألبانية في الجيش العثماني -محمد علي- يرقب تخبط هذه القوى من بعيد مرة ومرة أخرى يقترب ليساعد على تصعيده بشكل مباشر أو غير مباشر ويزج بهم واحدا تلو الآخر في صدر المشهد السياسي ليحملوا كل السلبيات والمفاسد. الحقيقة أن محمد علي اتخذ خطة سياسية متقنة غريبة للوصول إلى مبتغاه؛ فإنه في كل التخبطات في هذه الفترة لم يأخذ صف القوي في أي منها كما هو الشائع عند أي وصولي نابه -أو يعتقد أنه نابه-، إنما أخذ دائما صف الضعيف ليقويه ويضرب به القوي ثم يدفع به مكانه، ثم يستبدل به الصف الآخر الأضعف ليضربه به مجددا، وبذلك أضعف جميع المتصارعين على ولاية مصر وفي خلال ذلك كان يقوي من علاقته بعامة الشعب وبزعمائهم شيوخ الأزهر والتجار ويقنعهم بأفعاله لا بإدعائه أنه معهم وأنه غير راغب في الحكم، وكلما دنا منه الكرسي وأصبح تحت يده تمنع وتركه ودفع بمنافس آخر للحكم في سلسلة تصفيتهم إلى أن أجمع المصريون على ثقتهم به وأنزلوا الوالي العثماني من القلعة بالقوة وأعلنوا محمد علي واليا على مصر رغما عن ممانعة الباب العالي الذي اضطر في النهاية إلى إقرار ولاية محمد علي وعند ذلك فقط صعد محمد علي باشا على كرسي ولاية مصر واثقا أنه لن ينزل من عليه أبدا.

عاش ليروي




لم يعش ماركيز ليروي فقط، وإنما ليؤسس فن الرواية من جديد وليعيد ترسيخ قواعده بعد أن أرهقه الأوروبيون كثيرا بالتخبط بين المدارس المختلفة التي خرجت بالرواية بعضا عن مضمونها الأساسي وأفرغتها منه كلية في بعض آخر، فعاد بها ماركيز إلى حيث يجب أن تظل حاضرة.

بعد ثاني عمل أقرأه لماركيز، بجانب مناقشات عديدة عنه وعن أعماله الأخرى التي سأقرأها –بالتأكيد-قريبا، أظن أنه –ماركيز- يحترف الحكي والرواية بشكل عمودي وليس أفقي كما هو الشائع في الرواية؛ أي لا يلتزم بالتتابع الزمني للحكي وإنما يتنقل بطول الرواية حول محور الزمن بحرفية حكاء ماهر دون أن يسقط القارئ منه أبدا. بل إن هذا التنقل نفسه وهذا الحكي/الكتابة العمودي هو ما يضيف السحر الماركيزي على الرواية، وذلك في تحديه للقارئ بـ (إصراره على حرق رواياته بنفسه) كما تقول تسنيم؛ فيخبرك بشكل عفوي أثتاء الحكي كيف سينتهي مصير فلان أو كيف سينتهي هذا الموقف في النهاية قبل أن يستكمل تفاصيله، أو ربما يبدأ الرواية نفسها بإخبارك بالنهاية جلية غير مشوبة بالشك أو التأويل!!. ورغم ذلك يظل واثقا باستمرار القارئ ليؤكد بذلك أن استمراره في القراءة مرهون بالحكي الماركيزي، بفعل الحكي نفسه وليس فقط بالحكاية التي اتفقنا أولا كيف ستنتهي.