March 30, 2012

تاريخ الحركة القومية وتطور نظام الحكم في مصر




تاريخ الحركة القومية تحت الحكم العثماني والبكوات المماليك ثم الحملة الفرنسية على مصر وخروجها إلى تولي محمد علي ولاية مصر 1517 – 1805.
أول جزئين في سلسلة تاريخ الحركة القومية لعبد الرحمن الرافعي المؤرِخة ككل من 1517 إلى 1959 في 15 جزء.
إصدار دار المعارف 1987

يلتزم الرافعي في تأريخه بالحيدة في نقل الخبر من مصادره المختلفة وتوضيح قوة أو ضعف هذه المصادر إن اختلفت في الحدث، وإن كان يؤخذ عليه الميل لوجهة نظر معينة في الفترة التي عاشها بنفسه وذلك لاضطلاعه في الأحداث ومشاركته المباشرة فيها فلم يستطع أن يجنب تأريخه وجهة نظره الخاصة ليترك الحكم الآخير للتاريخ بعد نقل الأخبار من كافة جهاتها بشكل حيادي. لكن على كل حال فذلك لم يكن موجودا بالطبع في تأريخه لهذه الفترة في أول جزئين من سلسلته.

أوجز الرافعي في الجزء الأول الحالة العامة في مصر تحت الحكم العثماني في مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية وسيطرة المماليك على مصر مرة أخرى تحت حكم صوري من الباب العالي بتركيا. ثم فصل أسباب الاحتلال الفرنسي لمصر في ضوء العلاقات والحروب الدولية في أوروبا بين المعسكر الإنجليزي والمعسكر الفرنسي.

لا أعلم كيف يُدرس التاريخ للطلبة في المدارس المصرية فيقول أن الحملة الفرنسية كانت خيرا على مصر؟!!! وفي أفضل التحليلات يقول أنها كانت خيرا وشرا معا موضحا تفاصيل كل وجه من هذا العبث التاريخي الذي يلصقونه بذاكرة الطلاب الخاوية من ما يعيد ترتيب هذه التحليلات المضللة.
يتحجج المحللون ذلك أن روح الحركة الوطنية في مصر بدأت في الظهور مع احتلال الفرنسيين أهل الحرية -بعد ثورتهم الأشهر في التاريخ الإنساني- لمصر. بالله كيف تدخل البلاد عصر الحرية باحتلالها !!!
الحق أن الفرنسيين أرتكبوا في مصر من الجرائم والفظائع ما يجعل تلك الفترة من أصعب الفترات على الشعب المصري في تاريخه، فكان الفرنسيون لا يتورعون عن التنكيل بالمصريين وقتل وحرق قرى بأكملها إن هي تأخرت عن دفع ضريبة واحدة من الضرائب العديدة المفروضة عليها، أو اعتقال شيوخ هذه القرى إلى أن يذعن الأهالي ويدفعوا الضرائب رحمة بشيوخهم من المذلة.
لم يجد المصريون طريقا آخر يسلكونه أمام هذا الاحتلال غير مقاومته بكافة السبل الممكنة؛ بمقاطعة الفرنسيين أو بالامتناع عن دفع الضرائب أو بالثورة المسلحة المباشرة ضد العسكر الفرنسيين التي حدثت مرتين بقيادة شيوخ الأزهر في فترة الاحتلال الفرنسي.
احتل الفرنسيون مصر صراحة كخطوة في معركتهم التاريخية الكبرى مع الإنجليز في أوروبا بقطع خطوط تجارة الإنجليز. فلا هم جاؤوا مصر لمحاربة المماليك -الذين افسدوا مصر من قبلهم- كما أدعوا؛ فقد تحالف الفرنسيون مع المماليك ضد الحملة الإنجليزية-العثمانية في معاهدة مراد / كليبر، ثم ضد الشعب المصري بتولية كبيرهم مراد بك واليا على الصعيد تحت حكم الفرنسين. ولا هم كانوا ندا للعثمانيين في مصر لإنقاذها من السطو على كل موارد البلاد بصالح الباب العالي في تركيا؛ فقد تأرجح موقفهم كثيرا مع العثمانيين بين التحالف والمقاطعة والمواجهة الحربية المباشرة، بما تمليه عليهم الظروف الدولية لمصحلة فرنسا العليا وسباقها في كسب ود الباب العالي وحلفائه في أوروبا.
كانت مصر قطعة شطرنج يلعب بها الفرنسيون والعثمانيون والإنجليز والمماليك في تلك الفترة.

خرج الفرنسيون من مصر بعد أن أصبح بقاؤهم مستحيلا بعد تحالف الإنجليز والعثمانيين وتشكيل حملة عسكرية بقيادة الصدر الأعظم يوسف باشا ضيا وانضمام المماليك لهم بقيادة عثمان بك البرديسي وثورة المصريين على القيادة الفرنسية بالقاهرة مما أفقدهم السيطرة على البلاد من مختلف الاتجاهات. ومن قبل ذلك لانقطاع الصلة بين الجيش الفرنسي في مصر وبين القيادة في فرنسا بعد تحطم الأسطول الفرنسي في البحر المتوسط في معركة أبي قير البحرية على يد الأسطول الإنجليزي ولقيادة الجنرال منو الضعيفة والمتخبطة للجيش الفرنسي بعد مقتل الجنزال كليبر وسفر نابليون لفرنسا.

سقطت مصر بعد ذلك بين القوى الثلاث المتبقية تتصارع عليها العثمانيون والإنجليز والمماليك. وخلال ذلك أخذ القائد العسكري لأحد الكتائب الألبانية في الجيش العثماني -محمد علي- يرقب تخبط هذه القوى من بعيد مرة ومرة أخرى يقترب ليساعد على تصعيده بشكل مباشر أو غير مباشر ويزج بهم واحدا تلو الآخر في صدر المشهد السياسي ليحملوا كل السلبيات والمفاسد. الحقيقة أن محمد علي اتخذ خطة سياسية متقنة غريبة للوصول إلى مبتغاه؛ فإنه في كل التخبطات في هذه الفترة لم يأخذ صف القوي في أي منها كما هو الشائع عند أي وصولي نابه -أو يعتقد أنه نابه-، إنما أخذ دائما صف الضعيف ليقويه ويضرب به القوي ثم يدفع به مكانه، ثم يستبدل به الصف الآخر الأضعف ليضربه به مجددا، وبذلك أضعف جميع المتصارعين على ولاية مصر وفي خلال ذلك كان يقوي من علاقته بعامة الشعب وبزعمائهم شيوخ الأزهر والتجار ويقنعهم بأفعاله لا بإدعائه أنه معهم وأنه غير راغب في الحكم، وكلما دنا منه الكرسي وأصبح تحت يده تمنع وتركه ودفع بمنافس آخر للحكم في سلسلة تصفيتهم إلى أن أجمع المصريون على ثقتهم به وأنزلوا الوالي العثماني من القلعة بالقوة وأعلنوا محمد علي واليا على مصر رغما عن ممانعة الباب العالي الذي اضطر في النهاية إلى إقرار ولاية محمد علي وعند ذلك فقط صعد محمد علي باشا على كرسي ولاية مصر واثقا أنه لن ينزل من عليه أبدا.

عاش ليروي




لم يعش ماركيز ليروي فقط، وإنما ليؤسس فن الرواية من جديد وليعيد ترسيخ قواعده بعد أن أرهقه الأوروبيون كثيرا بالتخبط بين المدارس المختلفة التي خرجت بالرواية بعضا عن مضمونها الأساسي وأفرغتها منه كلية في بعض آخر، فعاد بها ماركيز إلى حيث يجب أن تظل حاضرة.

بعد ثاني عمل أقرأه لماركيز، بجانب مناقشات عديدة عنه وعن أعماله الأخرى التي سأقرأها –بالتأكيد-قريبا، أظن أنه –ماركيز- يحترف الحكي والرواية بشكل عمودي وليس أفقي كما هو الشائع في الرواية؛ أي لا يلتزم بالتتابع الزمني للحكي وإنما يتنقل بطول الرواية حول محور الزمن بحرفية حكاء ماهر دون أن يسقط القارئ منه أبدا. بل إن هذا التنقل نفسه وهذا الحكي/الكتابة العمودي هو ما يضيف السحر الماركيزي على الرواية، وذلك في تحديه للقارئ بـ (إصراره على حرق رواياته بنفسه) كما تقول تسنيم؛ فيخبرك بشكل عفوي أثتاء الحكي كيف سينتهي مصير فلان أو كيف سينتهي هذا الموقف في النهاية قبل أن يستكمل تفاصيله، أو ربما يبدأ الرواية نفسها بإخبارك بالنهاية جلية غير مشوبة بالشك أو التأويل!!. ورغم ذلك يظل واثقا باستمرار القارئ ليؤكد بذلك أن استمراره في القراءة مرهون بالحكي الماركيزي، بفعل الحكي نفسه وليس فقط بالحكاية التي اتفقنا أولا كيف ستنتهي.