May 16, 2012

حديث الصباح والمساء

..

حديث الصباح والمساء
نجيب محفوظ
الطبعة الأولى 1987
..

الرواية قبل الأخيرة لمحفوظ كتبها بعد ما قارب نصف قرن كامل في كتابة الرواية (عبث الأقدار 1939 – قشتمر 1988، التي سبقتها حديث الصباح والمساء 1987). خلق فيها الحياة نفسها. ابتعد قليلا عن التركيز على المكان كأحد أهم عناصر البناء الروائي بالاقتراب أكثر إلى تفاصيل نسج حياة كاملة. أجيال متعاقبة؛ خمسة أجيال ومشارفة السادس تمتد على قرنين من الزمان، من نهايات القرن الثامن عشر حتى أواسط ثمانينيات القرن العشرين. من دخول نابليون مصر إلى ما بعد مقتل السادات مرورا بامتلاك محمد علي ولاية مصر وحكم أبناءه والثورة العرابية وثورة 19 وتجربة الوفد وانقلاب 23 يوليو العسكري والتجربة الناصرية وهزيمة 1967 ثم موت عبد الناصر وحرب 1973 ثم عصر الانتفاح الاقتصادي. رغم كثرتها لم يمر محفوظ على تلك الأحداث العظام مرور الموجز، فقد أخذ منها بمقدار ما أخذت الحياة نفسها منها باختلاف درجات تأثيرها على سير الحياة الذي لا يتوقف كثيرا عند شيء. اقترب من أثرها على الشخصيات وانفعالاتهم أو مشاركاتهم فيها باختلاف توجهاتهم الشخصية والسياسية التي تجمعهم وتفرقهم.
البناء الروائي بإفراد فصل لكل شخصية يركز على فكرة نسج الحياة بالشخصيات والأجيال المتعاقبة وأن وحدة هذا النسيج هي الشخصيات نفسها وليست الأحداث التي تمر عليهم. ثم ترتيب هذه الشخصيات ترتيبا أبجديا يؤكد –مرة أخرى- على مساواتهم  في نصيب كل منهم في نسيج هذه الحياة فلا هو بالأقدم فالأحدث جيلا ولا بالأكثر حظوة في الحياة.
***
سأله جمال الغيطاني في أحد مجالسه عن الرواية الأقرب إليه في رواياته، أهي الحرافيش أم حديث الصباح والمساء؟، فأجاب بأنها الحرافيش. وأضاف بأن الإنسان يتأثر أحيانا بآراء الآخرين فكانت الحرافيش أقرب إليه، لكنه يرى أن حديث الصباح والمساء أكثر أهمية.

May 14, 2012

عصر الجماهير الغفيرة

..
عصر الجماهير الغفيرة
جلال أمين
دار الشروق 2003
.. 
يناقش الكتابُ المتغيراتِ الواقعة في مجالات الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية نتيجة لزيادة الحجم المؤثر من السكان أو "الحجم الفعال للسكان" بما أسماه الكاتب نظرية "عصر الجماهير الغفيرة" وذلك بتحليل إمكانية إعادة توجيه هذا الحجم الفعال من السكان لمختلف هذه المجالات بما يتوافق مع متطلباته.
النظرية هامة في تحليل التغيرات المختلفة الطارئة على مصر وعلى غيرها من دول العالم من منتصف القرن العشرين أو قبله بقليل بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية وبداية "العصر الأمريكي" وسطوع النموذج الأمريكي في الحياة كمثل أعلى للدول وللأفراد سواء. فكما يعيد هذا الحجم الهائل الفعال من السكان "الجماهير الغفيرة" ترتيب أولويات السوق والاقتصاد، كانت أيضا هذه الجماهير الغفيرة نفسها أداء طيعة القياد في يد من يريد أن يتحكم بالتوجه العالمي الإستهلاكي أو الثقافي بإقناع هذه الملايين بأهمية هذا المنتج أو هذه الفلسفة أو الثقافة ... بما يحقق أهدافه الإقتصادية أو السياسية أو كلاهما في معظم الأحيان.
كان عام 1952 في مصر هو مفتاح دخولها هذا العصر الجديد، بدخول شرائح كبيرة من الطبقة الدنيا إلى نطاق الطبقة الوسطى المحركة الحقيقية للسوق وللثقافة بحكم إتساع نطاقها وعدم قدرة الطبقات أو الثقافات الأخرى من الثبات أمامها. ففي الثقافة على سبيل المثال، بعد أن كانت تعنى المجلات الثقافية قبل ذلك بذوق عال في الثقافة لأنها كانت تخاطب طبقة صغيرة ذات ذائقة متميزة بحكم تعليمها وإطلاعها على مختلف الثقافات الأخرى، دخلت الجماهير الغفيرة في نطاق الحجم الفعال للسكان فأنتجت معها ما يلاقي احتياجتها وذائقتها الثقافية، بحكم التعليم السطحي السريع البسيط الشائع، من مجلات وصحف تتهم بالتوزيع لهذه الأعداد الكبيرة لتحقيق الربح المادي فتوجهت لما تريده من تشويق إثارة في حوادث القتل والسرقة والفضائح الاجتماعية والجنس، وبالتأكيد لم تستطع المجلات التي تقدم ذوقا أرقى من الصمود أمام هذا الزحف الجديد فإما توجهت إليه رغم عنها لتلاقي متطلبات السوق أو أغلقت أبوابها متمنعة الاشتراك في هذه المهزلة الثقافية. في هذه الحالة تحاول المؤسسات الثقافية التي لا تهدف للربح وعلى رأسها المؤسسات المملوكة للدولة تشجيع التيارات لنشر ثقافة أرفع وتساندها للصمود وسط هذا الزخم الذي لا يهمه إلا تحقيق الربح المادي بإشباع الرغبات الشعبية مهما كانت منافية للذوق وللثقافة، كما فعلت روسيا الإتحادية، ولكن في مصر كانت الدولة تساند الإعلام والثقافة لكن في اتجاه إنتاج ما يساندها هي سياسيا وليس هناك ما يمنع من تسطيح ثقافي طالما يصب ذلك بشكل غير مباشر في مصلحتها السياسية.
 ***
قدم الكتاب هذه النظرية بتحليل جيد في الفصل الأول ثم تلته بعد ذلك فصولا كثيرة تحاول تطبيق النظرية على مختلف المجالات كالصحافة والثقافة والاقتصاد والسياحة والأزياء وغيرها، منها الفصول التميزة كالثقافة والإقتصاد والصحافة ومنها ما ابتعد تماما عن النظرية موضع الدراسة "نظرية الجماهير الغفيرة" فكانت تحليلاتها تُدرج تحت نظرية "الحراك الإجتماعي" التي ناقشها الكاتب في كتابه "ماذا حدث للمصريين ؟" كفصل الأزياء الذي يحلل فيه الأزياء في المجتمع المصري وخاصة في الجامعة والمواصلات العامة وما طرأ عليه من تغيير ناتج عن الحراك الإجتماعي السريع بين الطبقات، وغيره من بعض الفصول. بعض الفصول الأخرى أبتعدت أكثر فوقع فيها الكاتب نفسه في النموذج الذي يقدمه في الكتاب فكانت الفصول ممتدة ومطولة بشكل مترهل دون أن تقدم شيئا جديدا أو مهما، كالفصل المسمى بقطار الصعيد؛ أعاد فيه الكاتب نفس الفكرة عشرات المرات وأسهب في تشبيهات وتحليلات أحالت النص لتقرير صحفي لمحرر مبتدئ في جريدة محلية، و امتدت بعض الفصول الأخرى بطرائف وإسقاطات أقرب للتهكم والتسلية منها للتحليل العلمي أو الاقتصادي أو الفلسفي، فكانت النتيجة بعض الصفحات التي تزيد من حجم الكتاب فأضرت به أكثر مما نفعته ووقع في نموذج تقديم ما تريده هذه الجماهير الغفيرة التي يتوقع أنها ستقرأ الكتاب وما يلاقي متطلباتها من طرفة لا علاقة لها بالموضوع وضغط على مشاعر سطحية للتعاطف مع الطبقات المقهورة في المجتمع وما يريده الناشر من عدد أكبر للصفحات يسمح له برفع سعره في المكتبات.
 ***
لا أقلل بذلك من أهمية الكتاب لكن بقدر أهميته، وأهمية الكاتب، يلاقي من النقد.