May 17, 2011

ولدتُ هناك، ولدتُ هنا

..
ولدتُ هناك، ولدتُ هنا
مريد البرغوثي
رياض الريس 2009
..


أخطر الحكي .. حكيٌ لشاعر


يتلمّس التفاصيل الصغيرة البسيطة الأشد وطأة حين تقترن بالأحلام
يراها الآخرون طبيعية بينما يراها المقهور حلما أقرب لحلم عصي على التحقق، كأن: تتسكع آمنا على الشاطئ، تنتقل من رصيف الشارع إلي الرصيف المقابل بسلام، تنجح في تجديد جواز السفر، تتمكن من دفن الجدّة في مسقط رأسها، تحصل على تصريح بزيارة الابن المعتقل. كأن يعود التيار الكهربائي، كأن تبقي خمس دقائق إضافية بجوار الحبيب.

يسلبك الاحتلال كل هذا .. وإلا، فما معنى الاحتلال ؟

**

بين المنافي المتعددة داخل الوطن أو في البلاد العربية (الشقيقة ! ) أو في البلاد البعيدة الغريبة كلية، تتشكل الحياة كلها في ظلال الغربة والتشتت. تتقسم الحياة إلي فترات قصيرة كثيرة لا تعرف لها مدي، لا تعرف هل تنتهي وتنلقب الظروف فجأة الآن، غدا، بعد عام، أو بعد ألف عام، لافرق فقد دخلت الحياة كلها في نفق الانتظار بدرجاته الرمادية المختلفة المائلة للسواد أو الموغلة فيه. انتظار الترحيل، انتظار السماح بالمرور، انتظار الدخول أو الخروج، انتظار عودة التيار الكهربائي، انتظار التحقيق وانتظار الاعتقال، انتظار السفر أو العودة، انتظار لم الشمل، انتظار اللقاء القصير المرتب له بما يفوقه بآلاف المرات من الوقت الزهيد في مقابله، انتظار عودة الغائبين، انتظار أي فرصة للحب والمرح ولهو الجسد ولهو الروح والتشبث بها، انتظار الفراق الذى يلوح من أول اللقاء فيشوبه ويفسد شوقه، انتظار رحمـــة لا تأتي.

**


يا ويله قلبٌ لشاعر ..
كالديدبان يظل بين الناس ساهر،
حين القلوب كما الوسائد،
محشوة بالقش، نائمة تغط على الأسرّة

رجال في الشمس

...
رجال في الشمس
غسان كنفاني
مؤسسة الأبحاث العربية 1999
...
في حياة مستحيلة في المخيم الفلسطينى تتبسط الأحلام لتتمثل في بيت بسقف أسمنتى وبعض الشجرات وقليل من المال اللازم لحياة كريمة بعض الشيء. في سبيل ذلك يتغرّب الفلسطينيون غربة ثانية -بعد غربتهم داخل وطنهم- ليتشتتوا في البلاد العربية أو الغربية.
ثلاثة رجال: أبو قيس، أسعد، ومروان يحاولون الهروب إلي الكويت للغوص في المقلاة مع من غاص، ليضمنوا لأهلهم في فلسطين الحياة الكريمة والسقف الأسمنتى وبعض الشجرات والقليل من المال. بعد تفاصيل منهكة في الهروب من فلسطين إلي الأردن ومنها إلي العراق يجتمعون للهروب معا إلي الكويت مع أبي الخزيران حيث يحاول ذلك بشحنهم في خزان للماء في عربة نقل المياه التى يعمل سائقا لها.

تتركز تفاصيل الرواية هنا لتأخذ بعدا رمزيا حيث يُحبس الرجال الثلاثة في خزان المياه المتقد نارا تحت الشمس اللاهبة في الصحراء، يقودهم أبو الخزيران الخصي ليموتوا .. نعم يموتوا في محاولة الهروب بسبب تفاصيل عبثية مباشرة تطيل محبسهم في هذا الجحيم دقائق معدودة، وذلك بعد تشابك الأسباب غير المباشرة الدافعة لتواجدهم في هذا الظرف.

تنتهي الرواية بطرح التساؤل المقصود منها مباشرة: "لماذا لم يدقوا جدران الخزان؟". لماذا لا يدق صاحب الأزمة جدران هذه الدنيا ويملأها صخبا معلنا عن موقفه، محاولا التوصل إلي حل ولو بلفت الانتباه، بدلا من انتظار الغوث أو الفناء، بدلا من انتظار رحمة لا تأتي !!!

اللعنة على الانتظار