August 21, 2013

الديمقراطية ونظام 23 يوليو 1952-1970

..
الديمقراطية ونظام 23 يوليو 1952-1970
طارق البشري
دار الهلال 1991
..
يعيد المستشار طارق البشري في هذا الكتاب رسم صورة نظام 23 يوليو على نطاق أوسع مما تم تقديمه في دراسات أخرى، فيتتبع في ذلك دور الجيش المصري في السياسية العامة في مصر وخاصة في لحظات الأزمات السياسية التاريخية التي تعيد تشكيل المجتمع وخريطته السياسية من بداية تأسيس الدولة الحديثة في عصر محمد علي ودور الجيش المحوري في مشروعه وانتفاضة الجيش على النخبة الأجنبية الحاكمة للبلاد وللجيش في 1881 بقيادة أحمد عرابي إلى تنظيم الضباط الأحرار داخل الجيش في منتصف القرن العشرين وإطاحته بالنظام الملكي وبالحياة السياسية السابقة بالأحزاب والحركات السياسية وبالدستور، وإعادة تشكيل الخريطة السياسية والقيادة العامة للبلاد، مرورا بتبرير غياب الجيش المصري عن المشهد السياسي في ثورة 1919 نظرا لوجوده بكامل قوته في السودان بقيادة سرادرا عاما بريطانيا ! حيث أبعده الاحتلال الأجنبي عن البلاد واستفاد منه بوجه آخر في إحكام السيطرة على السودان.ـ
***
يناقش الكاتب رواية هؤلاء الضباط للحياة السياسية الحزبية قبل 23 يوليو وسخطهم عليها وتنقلهم بين العديد من الأحزاب والحركات السياسية والجمعيات ثم استقلالهم عنها جميعا وتكوين حركة الضباط الأحرار متجاوزين فيها – في بداية تشكيلها على الأقل – أي خلافات أيديولوجية بينهم وقصر أهداف الحركة على نقاط اتفاق عام.ـ
اتسم نظام 23 يوليو بعد استقراره بالحكم بالشمولية بعد أن حل جميع الأحزاب والحركات السياسية فخلا له المشهد الذي قبض عليه قبضة قوية تضمنت فيما قبضت عليه أسباب أزمته وانحلاله فيما بعد. فقد جمع النظام في تلك القبضة بين السلطات الثلاث، التنفيذية والتشريعية والقضائية، في يده حركا إياها بواسطة الجهاز الأهم والأخطر في بلد بيروقراطي، الجهاز الإداري للدولة. فبينما هيمن على السلطة التنفيذية مباشرة بتعيين "رجاله" سواء من ضباط الجيش أو المدنيين -ممن أطلق عليهم "أهل الثقة"- وزراءً في الحكومات المتتالية فقد حاوط السلطة التشريعية وهيمن عليها في السنوات القليلة التي تشكل فيها مجلس نيابي وذلك بإصدار قانون الانتخاب يشترط لقبول أوراق المرشح في المجلس أن يكون عضوا في التنظيم السياسي الذي أنشأه النظام نفسه "الاتحاد القومي حتى عام 1962 ثم الاتحاد الاشتراكي"، وتحكم النظام في هذا التنظيم تحكما تاما من إصدار لائحته الداخلية وتعيين قياداته. مع سقوط عضوية النائب بالبرلمان إذا سقطت عضويته في الاتحاد الاشتراكي !!!ـ
أما في السنوات الأعم التي مرت بدون وجود مجلس نيابي فكانت التشريعات تصدر مباشرة باسم رئيس الجمهورية الذي اختصر فيه رمز الدولة وقيمتها أولا وآخرا.
أما عن السلطة القضائية فقد سيطر عليها نظام 23 يوليو كذلك بطريق مباشر وطريق غير مباشر؛ سيطر عليها بهيمنته على السلطتين التشريعية والتنفيذية فصار من بيده إصدار القوانين والتشريعات هو من بيده تعيين القضاة وعزلهم بواسطة وزير العدل. فاكتملت بذلك عناصر الهيمنة التامة على القضاء. وسيطر عليها كذلك بشكل مباشر عن طريق إنشاء المحاكم الاستثنائية لمحاكمة رموز المعارضة السياسية للنظام ورموز السياسية في العصر السابق بشكل عام ممن أطلق عليهم وقتها "أعداء الثورة". هذا إلى جانب الاعتداء الصارخ على القضاء بإعادة تشكيل هيئات المحاكم بقانون جديد للسلطة القضائية "أصدر بالطبع مباشرة من النظام الحاكم القابض على السلطة التشريعية في يده" أطاح بالمئات من القضاة وأعاد تعيين الموالين للنظام في تلك الهيئات فيما عرف بمذبحة القضاء.ـ
أما الأزمة الرئيسية للنظام فنشأت في البداية بإنشاء العديد من الأجهزة الأمنية لإحكام السيطرة على حركة المجتمع ومراقبتها. فتحولت هذه الأجهزة "المخابرات الحربية والمخابرات العامة والمباحث العامة" إلى مراكز قوى كبيرة داخل مؤسسة النظام تحكمت في الإدارة العامة للبلاد بشكل فج بل وتحاربت فيما بينها في محاولا كل منها فرض هيممنته على الأجهزة الأخرى أو مشاركتها مساحة عملها. بالإضافة إلى استقلال عبد الحكيم عامر بالجيش إداريا استقلال تاما عن رئاسة الجمهورية فكان له رجاله الذين لا يأتمرون إلا بأمره هو ولا يريدون بديلا عنه قائدا عاما للجيش.ـ
فتكونت بذلك أزمة النظام الكبرى ثم الشقاق الذي دب فيه بداية من عام 1961 إلى 1967 ثم انهياره تماما عام 1970.ـ
يتميز الكتاب بأسلوبه الأكاديمي بعيدا عن الانحيازات والعواطف التي تسم معظم ما كتب عن التجربة الناصرية بين مؤيد غاضب ومعارض أعمى.

ثلاث حكايات عن الغضب

..
ثلاث حكايات عن الغضب
محمد المنسي قنديل
دار الشروق 2013
..
المنسي قنديل الذي صار يوما من كبار كتاب الرواية العربية وأهمهم في المشهد الأدبي المعاصر تراجع انتاجه بصورة ملفتة الفترة الأخيرة .. هذه المجموعة تضم ثلاث قصص تتسم جميعها بالسطحية والمباشرة في الأسلوب والضعف الأدبي الذي يصيب القارئ بالملل، ذلك كان موازيا لتراجع كتاباته في المجلات الثقافية الشهرية كمجلة العربي الكويتية التي قضى فيها الفترة الأطول امتدادا في انتاجه الثقافي، أو في مجلة الدوحة في إصدارها الثاني الحالي بمقالات ضعيفة لدرجة تستبعد متابعة ما يكتب في الأعداد القادمة. 
القصة الأولى في هذه المجموعة يأخذ فيها المنسي قنديل مفارقة تاريخية لينسج بها نواة قصته كتيمة تتكرر كثيرا في أعماله، فيحكي هنا عن اكتشاف مطبعة سرية تعود لأحداث ثورة 1919 كانت تستخدمفي طباعة المنشورات السياسية المناهضة للاحتلال الأجنبي والمؤيدة لموقف الوفد المصري .. تم اكتشاف هذه المطبعة في قصة المنسي قنديل في سرداب داخلي بمقهى ريش الشهير بالقاهرة في ملابسات محاولة هروب شاب من رجال أجهزة الأمن السياسي داخل المقهى، ثم قدم المنسي مراده بحوار بين الشاب وعامل المقهى الذي ساعده في الهرب بدا حوارا سطحيا مباشرا لدرجة الملل. ولا تخلو هذه المفارقة التاريخية من جانب من الحقيقية؛ فقد تم اكتشاف مطبعة كتلك بالفعل في مقهى ريش لكن في ظروف مغايرة، فقد كان ذلك عام 1992 أثناء ترميم بناء المقهى بعد ما أصابه من الزلزال الشهير الذي ضرب القاهرة هذا العام.
القصتان الثانية والثالثة يحكي فيهما عن ثورة 25 يناير بمباشرة سطحية مملة كذلك تدفع لتخطى الكليشيهات في الوصف والحوار. فيحاول في الثانية رسم مشهد لقاء بين والد أحد شهداء الثورة الذي فجع باستشهاد ولده بينما كان هو بعيد جدا عن أي اهتمام سياسي وبين قائد عسكري يرمز له كرأس النظام القديم. وفي القصة الثالثة يرسم بنفس الأسلوب أجواء الاعتصام بميدان التحرير بعين طفل مشرد يأويه المعتصمون ويقدمون له المساعدات لإعانته وإعادة تأهيله للمشاركة في "المجتمع الجديد"، ومحاولة ضابط الأمن القضاء على المعتصمين باستغلال وإرهاب هذا الطفل المشرد.