December 8, 2010

مصر من تاني

..
مصر من تاني
محمود السعدني
أخبار اليوم
..
من الفتح العربي - الإسلامي لمصر حتى عام 1954 يمر عمنا محمود السعدني على كل ما مر بمصر من عظيم الحوادث، عظيم بأثره وليس بشهرته.
مرورا بالدولة الأموية والعباسية والطولونية والإخشيدية والفاطمية والأيوبية ودولة المماليك بكل ما مرت به من تقلبات واسعة الفروق والأثر ونابليون ومحمد علي وجمال الدين والأفغاني وتاريخ الثورات الشعبية في تاريخ مصر الحديث ودور القيادات الشعبية فيها
إعادة نظر في تاريخ مصر "من تاني" لاستخلاص العبرة

الكتاب تأتي أهميته في رسم القاعدة التأسيسية لقراءة هذه الفترة الممتدة في تاريخ مصر
حتى إذا بدأت فى قراءة عميقة لفترة معينة من هذا التاريخ أكون على علم بوجودها بين هذا التاريخ وعلاقتها بما قبلها وما بعدها وكيف تطورت الأحداث بصورة عامة بين كل من هذه الحقب التاريخية

من أول الكتاب حتى الفصل قبل الأخير وأنا مستمتع جدا بقراءة هذا الكتاب العبقري جدا لهذا للكاتب الكبير عمنا محمود السعدني - رحمه الله - إلي أن توقفت عند الفصل الأخير
الخاص بالاختلافات بين رجال ثورة 23 يوليو
كنت على استعداد لقراءة ما لا أتفهمه ولا أتستيغه من تبجيل وتكبير لشخص عبد الناصر وتحقير وتقليل لكل من سواه ممن وقفوا بمواجهته لما أعرفه عن محمود السعدني من حب كبير لعبد الناصر وكل ما فعله عبد الناصر
مر عليه عمنا السعدني سريعا حتى بدا كأنه متعمدا ذلك رغم تركيزه على نقط لا يجب أن تورد هكذا بدون تفصيل
جنى على محمد نجيب بكلمات مقتضبة سريعة الإيقاع موجعة الأثر في نفسي جدا، فتركت الكتاب مع آخر فصوله وأنا مهموم بما نحن فيه من هوس كتابة التاريخ بنظرة شخصية وليست حيادية

وعلى الرغم من هذا الفصل الوحيد غير الحيادى في الكتاب.
فالكتاب - أقول مرة أخري - مهم جدا فى فهم التاريخ المصري كنظرة شاملة قبل البدء في التعمق في واحدة من فتراته التى تمتد بامتداد الزمن.

November 22, 2010

تفاصيل الشجن في وقائع الزمن

..

تفاصيل الشجن في وقائع الزمن
محمد المنسي قنديل
دار الهلال 2001
..
المنسي قنديل عبقري كتابة التاريخ
رواية أو مقال
يمزج التاريخ بالكتابة الإبداعية فيخرجها فى صورة بديعة لا أريد لها أن تنتهي


من تفاصيل التاريخ المليء بالشجن يدفعنى المنسي قنديل لمعايشة هذه الوقائع الزمانية
بعد كل فصل كنت أبحث عن المزيد عن تفاصيل هذه المواقف


ـ" كان زمنا مليئا باليأس ولكنه لم يكن يخلو من الأمل .. كان هناك رجال حالمون وكانت هناك انتفاضات ذبيحة. وكانت هناك رغبة تواقة للتغيير. وما زلنا في انتظار زمن عربي جديد. مخاض جديد .. وولادة جديدة"ـ




لم يروي الكتاب عطشي لقراءة التاريخ بل زادها كثيرا

November 14, 2010

بقية حياة




إذا قيل لي: ستموتُ هنا في المساء
فماذا ستفعل في ما تبقَّى من الوقتِ؟
ـ أنظرُ في ساعة اليد/
أشربُ كأسَ عصيرٍ،
وأَقضم تُفَّاحَةً،
وأطيلُ التأمُّلَ في نَمْلَةٍ وَجَدَتْ رزقها،
ثم أنظر في ساعة اليدِ/
ما زال ثمَّة وقتٌ لأحلق ذقني
وأَغطس في الماء/ أهجس:
"لا بُدَّ من زينة للكتابة/
فليكن الثوبُ أزرق"/
أجْلِسُ حتى الظهيرة حيّاً إلى مكتبي
لا أرى أَثر اللون في الكلمات،
بياضٌ، بياضٌ، بياضٌ...
أُعِدُّ غدائي الأخير
أَصبُّ النبيذ بكأسين: لي
ولمن سوف يأتي بلا موعد،
ثم آخذ قَيْلُولَةً بين حُلْمَينْ/
لكنّ صوت شخيري سيوقظني...
ثم أَنظر في ساعة اليد:
ما زال ثمّةَ وَقْتٌ لأقرأ/
أقرأ فصلاً لدانتي ونصْفَ مُعَلَّقَةٍ
وأرى كيف تذهب مني حياتي
إلى الآخرين، ولا أتساءل عَمَّنْ
سيملأ نقصانها
ـ هكذا ؟
ـ هكذا ، هكذا
ـ ثم ماذا ؟
ـ أمشّط شَعْري، وأرمي القصيدة...
هذي القصيدة في سلة المهملات
وألبس أحدث قمصان إيطاليا،
وأُشَيّع نفسي بحاشيةٍ من كمنجات إسبانيا
ثم أمشي إلى المقبرةْ !



محمود درويش

October 15, 2010

ماذا حدث للمصريين ؟


..
ماذا حدث للمصريين ؟
جلال أمين
دار الشروق 2006
..

بتحليلاته البسيطة العميقة المقنعة يبحث جلال أمين فى كل ما لحق المجتمع المصري من تغير فى خمسين عاما (1945-1995) ويرد كل تلك التغيرات إلي ظاهرة الحراك الاجتماعي، زادت فاعليتها أو قلت فى كل ما طرأ من تغير لكنها موجودة فيها. وتأتي من هنا أهميتها القصوي فهي العامل المشترك فى كل ماحدث وهي ما لم تلقي من الاهتمام ما ينبغي من الباحثين أو علماء الاجتماع أو ممن يبحثون عن حلول للوصول إلي حال أفضل لكل هذه النقائض التى حلت بالمجتمع. فالخطوة الأولي في إيجاد هذا الحل هي التشخيص السليم.

يخصص الفصل الأول للحديث عن ظاهرة الحراك الاجتماعي وهي سهولة وسرعة التنقل بين الطبقات الاجتماعية (الدنيا والمتوسطة والعليا) بدأت هذه الظاهرة مع أحداث يوليو 1952 وأخدت فى الزيادة والاستفحال وترتب عليها تغيرات كبيرة في المجتمع والشخصية المصرية فمن انتقل من طبقة إلي طبقة أعلي يصبح كل همه هو أن يثبت مركزه في الطبقة الجديدة والتنكر للماضي القريب وكل ما يذكره به بل ويضاف إلي ذلك تطلعه للمزيد من الترقي فى السلم الاجتماعي مهما كلفه هذا الترقي من غال ولو كانت كرامته الشخصية !! .وأيضا من أهم ما يشغله هو لفت نظر من حوله لوضعه الجديد فى الطبقة الاجتماعية فيصبح استهلاكه وشراءه للمنتجات لا بهدف ما تدر عليه من نفع بل بهدف لفلت الانتباه إلي قدرته المادية على هذا الشراء كالسيارة الخاصة كمثال دقيق على ذلك بتحولها من وسيلة سهلة للانتقال إلي دليل على المركز الاجتماعي الذى يحدده نوع السيارة وما بها من كماليات
وفي المقابل هناك من يهبطون على هذا السلم الاجتماعي فيكون كل همهم هو التمسك بما بقي من الماضي والتنكر للحاضر والخوف من المستقبل المظلم فيبذلون كل غال للبعد عنه والظهور فى المجتمع بصورة أفضل

فصول الكتاب المتتالية عن هذه المتغيرات : الطبقة الوسطي، التعصب الدينى، التفسير اللاعقلاني للدين، التغريب، خدم المنازل، الوظيفة الحكومية، مركز المرأة، اللغة العربية، الهجرة، السيارة الخاصة، أفراح الأنجال، التصييف، الانقسام الطبقي، الموسيقي والغناء، السينما، الاقتصاديون المصريون، حضارة السوق

October 14, 2010

الأقباط والإسلام


..
الأقباط والإسلام
محمد سليم العوا
دار الشروق 1987
..

حوار في جريدة الشعب عام 1987 بين بعض الكتاب المسلمين والأقباط. يضم الكتاب بعض هذه المقالات للدكتور محمد سليم العوا وآخرين ليوضح كيفية تغيير نظرة كل من المسلمين والأقباط لبعضهم البعض وذلك بعد تكرار حوادث الفتنة فى المجتمع. تلك التى لم تكن تحدث منذ نصف قرن أو على الأقل لم تكن تحدث بمثل هذه الضجة وهذا الصدى الواسع فى المجتمع وجذب الأطراف لجدال ومناقشات لا بحثا عن مخرج آمن ولكن لإلقاء التهم وتوسيع الفجرة التى ستهبط بالمجتمع كله إلي فتنة كبري تستنفذ قراه وتخرب مستقبله.

فى سبيل البحث عن هذه المخرج من تلك الفتنة الكبري وشيكة الحدوث فتحت جريدة الشعب صفحاتها لهذا الحوار بين الكتّاب العقلاء الذين يريدون الخير والسلام لهذا الوطن.

يوضح الدكتور العوا في مقالاته فى هذا الكتاب نظرة الإسلام لغير المسلمين في المجتمع الإسلامي معتمدا في ذلك على ما روي عن الرسول صلي الله عليه وسلم وما كان يوجه به أصحابه في هذا الصدد لتكون المساواة والرجمة المنشودة صادرة لا عن قوانين جوفاء وإنما عن العقيدة والدين والإيمان الذى لا يكتمل إلا بها.

وتعليقا عن نقطة فى غاية الأهمية -وهي إزاحة العقيدة الدينية جانبا فى العلاقات المدنية- يقول المستشار طارق البشري :"إن الاجتهاد في تقرير المساواة له جدواه في ضمانها، عندما تصير المساواة التزاما مستمدا من العقيدة، وليست مجرد مبدأ تقرر بنفي العقيدة" ـ

اللاهوت العربي .. وأصول العنف الدينى



..
اللاهوت العربي .. وأصول العنف الديني
يوسف زيدان
دار الشروق 2009
..

بالبحث فى أصول الأديان وصفاءها الأول قبل التغيرات التى تطرأ عليها بفعل المتدينين يوضح د. يوسف زيدان نقاط التلاقي بين الديانات الإبراهيمية الثلاث: اليهودية، المسيحية والإسلام ، التى يراها في الأصل ديانة واحدة بثلاثة تجليات.


ومن نقاط التلاقي والامتداد بينها - وهو موضوع الكتاب - هو اللاهوت العربي وامتداد البحث فى علم اللاهوت من اليهودية إلي الإسلام مرورا بالمسيحية. فقد بدا ذلك العلم فى اليهودية بالبحث في صفات الله التوراتية وقربها أو بعدها من الصفات البشرية ثم امتداده فى المسيحية إلي حوارات وجدالات بل وسجالات كبيرة بين الكنائس الكبيرة في الثيولوجيا (طبيعة الإله) والتطرق ثم التحول إلي الكريستولوجيا (طبيعة المسيح) وما صاحب هذه الجدالات من اختلافات عقائدية كبيرة اقترنت كثيرا بالسياسة إلي حد صعوبة التفريق فى بعض الأحيان بين المآل الدينى والسياسي وراء بعض هذه الآراء الدينية المتعلقة بالعقيدة القويمة كما يراها كل طرف. وامتد هذا العلم في الإسلام بما يعرف بعلم الكلام بين دارسي الفلسفة أو علم أصول الدين بين الأزهريين.
ومن أهم ما يميز هذه المحاور الثلاثة معا أنها كلها انبثقت في بدياتها من نفس المنطقة الجغرافية منطقة الهلال الخصيب (العراق والشام) بما يؤكد وجود جذور ثقافية عربية في كل منها ما يؤدى بدوره إلي ارتباطها ببعض لتكوين خط واحد هو ما أسماه الدكتور يوسف زيدان باللاهوت العربي.


الكتاب يدفع على البحث والتفكير والتأمل أكثر ما يورد إجابات جاهزة على أسئلة معتادة وذلك كما أورد المؤلف فى المقدمة.

September 20, 2010

بين الإسلام والعروبة


...
بين الإسلام والعروبة
طارق البشري
دار الشروق 1998
...

بين الجامعة العربية والجامعة الإسلامية وفي بعض مناقشات الندوة يحلل المستشار طارق البشري العوامل المؤثرة فى قيام كل من تلك الجامعتين، ما يجمعهما ويوقفهما معا أمام كل ما يسعي لنفيهما معا، وما يوقفهما متواجهتين متاربضتين لصالح القوي الخارجية.
يبحث ذلك عبر ثلاثة آراء رأى يري أن الدين الإسلامي من أهم عوامل الوحدة العربية بين الشعوب العربية
ورأى يقول بأن الوحدة يجب أن تتم علي أساس إسلامي أولا بين الدول العربية، ثم بين كافة الدول الإسلامية
ورأى يقول بأن الوحدة العربية يجب أن تتم على أساس علماني، تلعب فيه الثقافة واللغة دورا رائدا. على أن تكون علاقة العرب ببقية العالم الإسلامي علاقة أخوة وصداقة وتعاون فقط دون إندماج سياسي

ـ" والمقولة الأولي تشير إلي موقف اتصال الإسلام بالقومية العربية. والثانية تشير إلي مبدأ الجامعة الإسلامية، والأخيرة تشير إلي العلمانية" ـ

تتميز تحليلات طارق البشري بعدم الوقوف بالبحث في العوامل المؤثرة في الفكرة أو والاتجاه وإنما تتطرق قبل ذلك إلي العوامل المسببة لقيام الفكرة وبداية تكوينها لتتضح في صفائها الأوّلْي قبل أن تتشابك المقومات وتظهر تلك الفكرة بمظهر آخر يغيّر من مآلها الحقيقي

September 15, 2010

من ذا الذي لا يعرف اسمي؟




قلتُ لكُمْ لستُ أنا منكُمْ
فلماذا حتى الآن يحيّركُم أمري؟
تقتربونَ ولا تقتربونْ
لكأني طيف خطاياكُم؟
أتخافونَ البحر المتطرّفَ
وهو يموج بأشلاء الأنهار المنتحرة
ويخبئ في القاع بقايا الجثث النخرة؟
***

لا تخشوني إن كنت عنيفًا
واخشوني إن كنت كموج البحر لطيفا
فأنا آنئذ أتدبّر فيكم ملحمتي
وكمثل الشجر الصحراويّ
سأربط جذعي بالبيداء وأرفع أغصاني
ضارعة نحو الله
فهل أعيتكم أسمائي؟
وأنا لا يعرف اسمي
من لا يعرف حرف (الميم)
محمّد
أحفر بالأقلام النورانيّة
أحرف اسمي كي أسكن فيه
كما أحفر قبرًا للضدّ
إذن فاخشوني فأنا الضد.
وذهبت إلى وادي طيبة ثانية
لأعرّف عن نفسي
وصرختُ بأعلى الصوتْ.. محمد
فلعلّ الوادي أنستهُ أصوات المرتدين
زمانَ الودّ
م....ح....مَ....دْ
فأجاب الوادي
مَنْ
أنتَ?
صرختُ م....ح....مَ....دْ
هل نسيَ الوادي
زَجَلَ الأحرف وهي تغرّد
كالأطيار على الأشجار
فيرتجف الجَبَل المُفرَدْ؟
هل نسيَ الوادي صوت الرعد وصوت الريح
صوت ملائكة الرحمن
وقد وصلوا واصطفوا صفا صفا
فوق خيول ضامرة بيضاء
ومنسرح أجردْ...؟
كبُراقٍ
(وهو حصاني)
وصعدتُ
وكان (الميمُ) يضمّ الحاءْ ببردته
ويشدّ على (الميم) الأخرى
أشلاء الوَجْد
فيشتدّ
يا ولهي
وأنا أصاعَدُ في ملكوتٍ
لا يعرفه غير العشاق
إذا وصلوا ووصلت
وكانت أسمائي تتبعني
وحروفي تتداعى بين يديّ كما تتداعى خلف الراعي الأغنامُ
تفيض فيأمرها بيديه
فترتدّ نحو حظائرها
وتلوذ هناك بمرعاها
لو كنتم أغنامًا
لرعاكُمْ راعيكُمْ
لكنّ كلاب مخازيكمْ تعوي فيكمْ
فالتمسوا
كي يُصرف عنكم
شرُّ مآسيكم
سببًا لاسمي
أو
فالتمسوا حرفين
إذا اجتمعا
خَلُصت عندهما
علل العالم

 
محمد علي شمس الدين

September 12, 2010

مربع الظلام


 

إلى بديع الزمان الهمذاني.
ويروى أنه كان قد دخل في غيبوبة طويلة، فظن أهله أنه قد مات فقاموا بدفنه،
وحين استيقظ من غيبوبته، وهو في القبر، مزق كفنه، قبل أن يموت من جديد.

 
جلستُ في مربّعِ الظلام وحدي
منتظرا من النهار أن يجيء كاشفا سريرتي
وكنت قد أودعتُ في التراب وردةً
ولذت هارباً إلى الجبالِ
تاركاً على الثرى ما يشبه الجسدْ
وقلت ربما أعود في غدٍ
وقد أكون جائعاً
فآكل التي في فمها دمُ الحياةْ
وقد أكونُ عارياً
فأكتسي بما يكون قد نما من الأوراقِ
فوق جسمها النحيلْ
وحينما رجعتُ
قلتُ أسترد كنزي الدفينَ من غياهبِ الترابْ
أخذتُ معولاً
وشمعةً هزيلةً
وسرتُ حاملاً خطايَ خائفاً
كمن يعود بعد الموتِ نحو بيتهِ
وقفت لحظة كالمستريب
لا أرى معالمَ الطريقْ
وكان للمكانِ رهبة
وفي الخلاءِ ذئبة
وجدتها هناك لا تنامْ
عينان في الظلام تتبعان خطوتي
وللظلال قفزة الحصان في المضيقْ
ولم أجد على الترابِ
غير ثلةٍ من النمالِ
سرتُ خلفها
حتى بلغت تلةً بعيدةْ
ضربتُ فوق صخرها
بفأسي القديم ضربتينْ
فانشق تحت الفأسِ
شيء يشبه الكفنْ
وقام من ضريحه
فتىً
كما تقوم زهرة من الصقيعْ
سألته:
يا أيها الفتى
المكفّن
البديعْ
أتيتُ من غياهب الزمانِ
أسترد منك وردتي
وأسألكْ:
نعيش هذه الحياة مرةً وحيدةً
لكي نموتَ بعدها إلى الأبدْ
أم أننا نموت هذه الحياة مرة وحيدةً
لكي نعيش بعدها إلى الأبدْ؟
وقبل أن يجيبني عن السؤال
ضمني إليه باكياً وضاحكا
وكان هذا آخر اللقاءِ بيننا

 
محمد علي شمس الدين

September 10, 2010

لم يُخْطئْ جنونُكَ أيها الجميل




ها أنتَ تنهضُ من ظلامِ دمائكَ السوداءِ
أبيضَ عالياً كالبدر مكتملاً ومشتملاً على أسماءِ
مَنْ غَسَلوا عذابَكَ أو غَسَلْتَ عذابهم بالماءِ
أو برصاصةٍ خرساءَ لم تصطَدْ بها طيراً ولكنْ
أجملَ الغزلانِ, رأسَكَ في دوائرِهِ النبيلةِ
حينما صوّبْتَ لم تخطئْ ولم يخطئْ جنونُك يا جميلُ
ويا مُشَعَّثُ يا جميلُ غَلَبْتَ مَن عاشوا بموتِكَ
شاهقاً كالنسرِ حين يدقُّ في صخرِ الجبال ضلوعه
ليعيش منتشراً على الأَكماتِ في لبنـانَ منتشياً
بريشِ جناحه المنشور في الظلمات كُلُّ قلامَةٍ
نجمٌ وكُلُّ دمٍ تَفَجّرَ من منابع هذه الأرضِ القديمةِ
في مهاوي لحمِكَ الريّانِ أرْغُنَةٌ أتسمعُ ما يردّدهُ
الرعاةُ على الفلاةِ من الغناءِ فيطربوا وَلَعاً? ويُفتَحُ
في انسداد الريح صوتٌ صارخٌ كالريحِ ها إنّي أتيتُ
من الغياب لكي أهزّ حضوركم وأصبّ في الكأسِ
القديمةِ ما تجمَّعَ من مدامعكم هي الأمطارُ تهطلُ
من سماء قروحكم على شَفَتي فيشربها فمي الظمآنُ لا غفرانَ.
لستُ أكثرَ من جريحِ صدودكم وجريح جرحي لا مفرَّ
من الرصاصةِ في مدى عُنُقي ألا انبثقي إذنْ يا كبرياءَ أبي
وَجَدّي في الجرود وكبريائي فالمدى ذئبٌ وأيُّ مخالب الذئبِ
الطويلةِ في الشوارعِ سوف أقطعُها? ولي مأوايَ أمْ لسوايَ?
للوحشِ الذي يهوي كعاصفةٍ ويزحفُ كالجرادِ على البلادِ أم الصغارِ?
أنا معلّقةُ النهار على ظلامٍ دامسٍ كالنفس في ظلماتها في الليلِ
ألمعُ مثل برقٍ ثم أقطعُ ما تقادَمَ من وريدي إنني مَلِكٌ
ولي فَلَكٌ على الأزمانِ يا أزمانُ يا أزمانُ هل هرموا? وهل
صَدئ الملوكُ على الصكوكِ وهل تباعَدَ سرُّهُمْ كدبيب آثار النمالِ على
المدى? وأنا وَهُمْ وحملتُهُمْ نقشاً على جسدي فَعَطّلَهُ
الغبارُ ومعصماً لم يعصموهُ فصار كالأغلالِ لستُ فتى على الأطلالِ
يبكي أو ينوحُ بعبرةِ الخنساءِ أو قيس العليل مكوّماً كالظلّ
عند جدار ليلى وتبول فوق عيونِهِ الآرام والأغنام أو أنّي
كدرويشٍ يدور على الديار ولا ديار فيكتفي بالقول إني عاشقٌ
والأرض عشقي وهي أبعد من نشيدي لستُ أحمدُ أو محمّد أو كيوحنّا
ورأسي في الإناءِ, أنا انحنائي كي أضمّك يا سماءُ ويا... قليلاً ما
تجود عليَّ أقدار السماء بمثل ما جادَتْ عليَّ من الحبور وَلي الثريّا
وهي أصعبُ من منازلها ومن أسمائها وجميع مَن ماتوا لكي يصلوا وما
وَصَلوا وإنْ سألوا: وماذا السرُّ? كدتُ أجيبهم لكنني آثرتُ
أن أدَعَ الكلام لسحرِ صمتي حين أعشقُ لا أقولُ, وحين أومئ لا أجيبُ
وحين أمشي لا أغيب, وكيفََ لي يا أيُّها الجَبَلُ الذي اشتَعَلَتْ بِهِ
أحشاؤهُ أن أستجيبَ لغير موتي فيكَ, إني عاشق الجبل المطهّمِ
كالحصان وعاشق امرأةٍ على جبل هناكَ تنامُ مثل الثلج في حَرَمون
أصعد ما صعدت, فإن وصلتُ فذاكَ أني لم أصِلْ إلاّ إلى وَجَعي
وأحبُّ أن أبكي ولي وَلَعي بأنْ - حينَ احتدامِ الرعد في كانون والبرق
المدوّي في السماءِ, وبعلبك وبعض صيدا والجنوب - بأنْ أغنّي
للجرود وللّتي يمشي على آثار خطوتها دمُ العاصي, وتنسحب الخمائلُ من
تنقّلها على البستانِ (كلْدستانُ سعدي) بعضُ لفتتها وللخيّام في
شرع الصبابة خمرتان وإنّ لي وحدي ثلاثاً لي بريقُ عيونها (كأساً)
ولي إشراقُها (شمسا) ولي ما ليسَ يُروى من بهاء الروح في هذي
القبابِ العامليّة إنّ لي حَجَلي على جبلي, ولي نهرانِ من لبنٍ ومن
عسلِ, ولي أيضاً شرودي في مسالكها البعيدة واشتهائي أن أضيع
ولا أُرى إلاّ غريباً في اشتهائي, وأنا الإمام وكلّ من عشقوا ورائي
وأنا قتيلُ محاجر الغزلان أرحل في الزمان وقلبهم مازال يخفق في ردائي
 

محمد علي شمس الدين

September 4, 2010

الموكب الصامت


واضعا يدي في جيبي المثقوبين
سائرا في الشارع
رايتهم يتطلعون خلسة الي
من وراء زجاج واجهات المخازن والمقاهي
ثم يخرجون مسرعين ويتعقبونني
تعمدت ان اقف لاشعل سيجارة
والتفت الى الوراء كمن يتجنب الريح بظهره
ملقيا نظرة خاطفة الى الموكب الصامت:
لصوص و ملوك و قتلة , انبياء وشعراء
كانوا يقفزون من كل مكان
ويسيرون ورائي
منتظرين اشارة مني.
هززت رأسي مستغربا
ومضيت وأنا اصفر بفمي لحن اغنية شائعة
متظاهرا بأنني امثل دورا في فيلم
وبأن كل ما ينبغي علي ان افعله هو ان اسير دائما الى الأمام
حتى النهاية المريرة


فاضل العزاوي

August 4, 2010

من يكتب تاريخ ثورة يوليو


..

من يكتب تاريخ ثورة يوليو - القضية والشهادات
فاروق جويدة
دار الشروق 2008
..

النصف الأول من الكتاب: مقالات لفاروق جويدة يناقش فيها ضرورة وجود تاريخ صحيح لثورة يوليو لما لها من أهمية قصوى فى تاريخ مصر وآثار تبقي ظلالها حتى يومنا هذا.
يدعوا لكتابة تاريخ منزّه عن المصالح الشخصية والمواقف والانحيازات السياسية والفكرية ، تاريخ أحداث وليس تاريخ شخصيات، يدعوا كل من شارك أو قارب الأحداث المرتبطة بالثورة ليتحدث ويقول ما عنده حتى تستطيع الأجيال القادمة وضع التاريخ الصحيح بعيدا عن هذا الأهواء السياسية.

النصف الثاني من الكتاب: شهادات لبعض الضباط الأحرار الذين شاركوا في الثورة وبعض الشخصيات العامة المهتمة بالقضية.
الشهادات -كما هو متوقع- متضاربة ومتباعدة جدا ليس فى وجهات النظر فقط وإنما في تفاصيل الأحداث نفسها ونسبة الأحداث المهمة لشخصيات دون غيرها.
من أهم وأخطر هذه الشهادات شهادة اللواء محمود عبداللطيف حجازى من سلاح الفرسان يشهد ما حدث في سلاح الفرسان فى أزمة فبراير 54.
أيضا من أهم هذه الشهادات شهادة اللواء جمال حماد من المؤرخ العسكري الذى يتحدث عن الصراع على السلطة بين أعضاء مجلس قيادة الثورة ما يوضح به مدى التجاوزات والجرائم السياسية المرتكبة في حق هذا الشعب

الكتاب دراسة مهمة لا شك عن هذه الفترة في تاريخ مصر نظرا لجمعه مختلف وجهات النظر .


ـ"إن تاريخ مصر الحديث شاركت في صناعته اتجاهات ثلاثة، هى: المواقف الشخصية، والمصالح، والخنادق السياسية، وما بين هؤلاء غابت الحقيقة" — فاروق جويدة
 

July 31, 2010

كتب وناس



كتب وناس
خيري شلبي
دار الهلال - كتاب الهلال - 2009

..

الكتاب مقسَّم (في الفهرس) إلي جزئين: كتب، وناس. لكن الحديث عن الناس لابد أن يستحضر الحديثَ عن الكتب كما استحضر الحديثُ عن الكتب الحديثَ عن الناس. وذلك في مناقشات أريحية جدا ككل ما يخطه قلم عم خيري في الرواية أو القصة أو المقال أو البورتريه أو حتى الحكي الشفاهي في أى مكان يتواجد فيه هذا الحكّاء العظيم.

يتحدث عن ناس وكتب بعضهم معروف ومشهور فتجد عم خيري يقول ما لم يقله أحد في هؤلاء الناس أو هذه الكتب. كأن يحدثك عن أشعار صلاح جاهين ورباعياته ليريك مالم تره رغم قراءتك لها عشرات إن لم تكن مئات المرات. ويكتب عن أدباء عظام لا يعرفهم أحد - إلا قليلا - كانوا جديرين بمكانة أدبية كبيرة أكبر كثيرا مما حظوا به في زمن ينتبه للصوت العالي أكثر مما ينتبه لما في هذا الصوت - عاليا كان أو منخفضا - من قيمة تستحق الاحتفاء بها.

أطول فصول الكتاب: "موت دكتاتور نبيل" عن إبراهيم منصور يحكي عنه كثيرا لينتهي بك وأنت تعرف إبراهيم منصور وتبكي لفراقه كأنه صديقك أنت لا صديق لعم خيري. ـ

June 22, 2010

التنوير الزائف




..
التنوير الزائف
د. جلال أمين
دار المعارف - سلسلة اقرأ 1999
..

ـ" كل من شعاري التنمية والتنوير بالمعنيين الرائجين لهما يخفي في ثناياه مسخ شخصية الأمة والتضحية بكل ما تتسم به عن غيرها، دون تمييز بين الصالح منه والطالح، وافقادها القدرة علي الابتكار الحقيقي والنهضة الحقيقية، باسم رفع متوسط الدخل مرة، وباسم الانتصار للعلم والعقلانية والحرية مرة أخري. "ـ

تلخص تلك الكلمات ما يريد أن يقوله د. جلال أمين في هذا الكتاب. فهو يري أن التنوير ليس مطلقا في كل مكان أو زمان فلكل منهما -الزمان والمكان- ما يميزه ويحكمه بتقبل ما يراه يتوافق مع ثقافته العامة أو لا يتوافق. وإنما يكون تنويرا بحق بقدر التزامه بشخصية الأمة وعدم ابتعاده عنها بما ينفيها ويحولها إلي مسخ.


.....

يعرض في الجزؤ الأكبر من الكتاب بعض محاور هذا التنوير الزائف كنظرية أو فكرة عامة ثم في الجزء الثاني نماذج له.

نموذجان هما ما عرضهما الأول كتاب في الشعر الجاهلي لطه حسين الذى أصدر ضجة منذ ظهوره (1926) لم تختفي آثارها حتى الآن. يقارن بين أفكار طه حسين في الكتاب وبين كتاب "النقد التحليلي لكتاب في الأدب الجاهلي" لمحمد الغمراوي. حيث يمثل في تلك المقارنة فكر طه حسين في هذا الكتاب التوير الزائف ويمثل رأي محمد الغمراوي التنوير الحقيقي الملتزم بثقافة الأمة وشخصيتها.

النموذج الثاني هو يوسف شاهين في فيلمه المصير وإن امتد الحديث لينسحب قليلا على أفلام يوسف شاهين كلها وعلى فكره وتطبيقه لهذا الفكر في أفلام تخدم النظرة الخارجية له أكثر مما تخدم بلده وثقافتها.
ـ

June 14, 2010

أفكار ضد الرصاص

..


أفكار ضد الرصاص
محمود عوض
دار المعارف - سلسلة اقرأ 2006



..

قاسم أمين .. تحرير المرأة
عبد الرحمن الكواكبي .. طبائع الاستبداد
علي عبد الرازق .. الإسلام وأصول الحكم
طه حسين .. في الشعر الجاهلي

..

أربعة واجهوا عقوبات مقابل آرائهم في تلك الكتب التى تحدت الرأى العام في شجاعة كبري تحسب لهم في عملهم للرقي بالمجتمع نحو حرية أرحب وأرقي، أقدر على النقاش وأبعد عن القمع والدفن.

الكتاب يعرض فصل لكل قضية من القضايا الأربعة. يحاول أن يوضح الظروف المحيطة بكل منها، حال المجتمع وقتها فكريا وسياسيا ودينيا وعلميا.
أسلوب الكاتب ضعيف في عرض تلك الظروف بتكرار المعاني كثيرا بألفاظ مختلفة ظاهريا متشابهة أو متقاربة في المعني بحيث من الممكن اختصار الكثير من الفقرات بدون إحداث خلل فى الكتاب وربما يكون أفضل دفعا للملل الذى طالنى أثناء قراءته.

التهكم والسخرية من المعاملة التى لاقاها هؤلاء الكتّاب إزاء نشر كتبهم أضعفت من الأسلوب فظهر سطحيا قليلا باستثناء بعض العبارات.


فى آخر سطرين بالكتاب، الفصل الخاص بكتاب في الشعر الجاهلي لطه حسين سأل الكاتب محمود عوض في حوار له مع طه حسين إن كان - بعد نصف قرن من قضيته - قد تغير شيء فيرد عليه بأسف وخيبة بالغة: لم يتغير شيء كثير !! ـ

June 12, 2010

أبناء رفاعة .. الثقافة والحرية


..


أبناء رفاعة .. الثقافة والحرية
بهاء طاهر
دار الشروق 2009
..

الجزء الأول من الكتاب يناقش النهضة الثقافية التى قامت في مصر على يد رفاعة الطهطاوي وأبناءه أمثال جمال الدين الأفغاني عبد الله النديم ومحمد عبده وقاسم أمين وطه حسين، وما ترتب على هذه النهضة الثقافية من تغيرات في الحياة السياسية والحياة العامة في مصر.
الفضل يرجع إليهم في نشر الثقافة والتعليم والمدارس وافتتاح أول جامعة مصرية بدات بمدرسة الحقوق المصرية.

من أهم وأطول فصول الكتاب "نحن والغرب في أدب طه حسين" يحلل فيه كتاب "مستقبل الثقافة في مصر" الذى وضح فيه العميد طه حسين رأيه في كيفية النهوض بالمستوي الثقافي العام في مصر لما له من أهمية تعود على كل المجالات فتنهض بها وتبنى مجتمعا مستقلا داخليا وخارجيا قادرا على الحياة التى يستحقها.

"ومن أجل ذلك لابد أن تحدث ثورة، ليس أقل من ثورة تقتلع طبائع الاستبداد من حياتنا ومن فكرنا. ولن تتحقق هذه الثورة إلا إذا ما شاعت ثقافة الحرية ثم تمكنت من النفوس بحيث يتكون على أرضنا (الانسان - الفرد - الحر) في إطار المجتمع المستقل الذى يقوده على طريق التقدم علماء ومفكرون يهيء لهم المجتمع كل السبل لحرية البحث والتعبير، ويضع تحت تصرفهم كل الامكانات المادية التى تتيح لهم أن ينهضوا بعبء تلك الرسالة"
من كتاب مستقبل الثقافة في مصر - طه حسين*

وكان طه حسين قد بدأ بالفعل فى تطبيق لآراءه وأفكاره على أرض الواقع عندما تولي وزارة المعارف عام 1950 ولكنه لم يستطع تقديم مشروعه الكبير كما أراد فقد ترك الوزارة بعد أحداث 1952 التى بدأت معها العلاقة بين الثقافة والشعب تنحدر إلي وصولنا لهذا الحال من انعزال المثقفين عن الحياة العامة واهتمامهم بقضايا بعيدة عن القضايا الأساسية وما هو أهم ما يتمثل في إنكار المجتمع للمثقفين وأهميتهم ودورهم في النهوض به من المستنقعات الفكرية أو الجمود والتحجر الفكري.

يورد الكاتب أسباب ومراحل هذا الانحدار في فصل "الاستغناء عن الثقافة"

..

الجزء الثاني من الكتاب "العبرات" تحليل نقدى لبعض الأعمال والمشاريع الأدبية

*يوسف إدريس في محاولته للنهوض بالثقافة العامة بقصصه ومسرحياته التى ناقش فيها أسباب انحدار المستوي الثقافي. ثم بمقالاته التى اهتم بها على حساب قصصه بحثا عن اقصر الطرق لوصول الكلمة للناس.

*يحيي حقي ذلك الأب الحاني الذي يظهر أخطاء وعيوب المجتمع بلغته السلسة البسيطة المتفردة في قصصه او مقالاته.

*نقد لمسرحية شهرزاد لتوفيق الحكيم بين نجاحها قراءة وعمده تمثيلا حيث لم تلاقي نجاحا يليق بها على المسرح لدخولها منطقة المسرحيات الفكرية التى يعتمد بناءها على الأفكار وليس على المواقف.

*يحيي الطاهر عبد الله الذى اتحدت كلمته بحياته فكانا شيئا واحدا متطابقا يتوق للحب والتضامن بين البشر ويدعو لقمع الخوف الداخلي حتى لا ينتهي الحال بالموت النهائي للذات الإنسانية.ـ


June 11, 2010

الحلـــم






في أقدامي طرقات لم يطأها أحد
وأحجار لم يتعثر بها أحد
وتراب بكامل قواه الجسدية
في يدي أزهار لم تقطف
ولوحات لم ترسم
ومهنٌ لم يعمل
بها أحد
وبنادق لم تستعمل
وقبور لم تردم
في قلبي أناس لم يولدوا
وعشاق لم يلتقوا
وأطفال يبحثون
في الغبار عن شوكة
ليرضعوها
وعصافير لها أجنحة من دخان
وحيوانات مفترسة أنيابها من خيطان
وفراشات قابلة للاشتعال
في عينيّ أفق لم يتكون
ومدى لم يعرف
ونجوم تجهض ضوءها الوحيد
وبحر مليء بالقمل
وبحيرة تحولت إلى مستنقع
في لساني قصائد لم تكتب
ومقالات ملاحقة
وأغان ممنوعة
وروايات مشوهة
وفي رأسي صوت
كصوت المطر
يقول هذا وطني


دياب محمد حسن


الساحر لا يكشف عن بيانه




" أنا السابقُ الهادي إلى ما أقولُه إذا القولُ قبل القائلينَ مَقولُ "
أبو الطيب المتنبي
  




- 1 -
لو بُحْتُ بِسرّي
مَنْ يمنحُني سرَّ الغامضِ والمكنونْ؟
مَنْ يحجبني ثانيةً
كي يسألَ عني الناسُ
وأملأ حيرتهم بكلامي؟
وكذبتُ عليهم
حين زعمتُ بأنّ الخيلَ هنالكَ تعرفُني
والليلَ وأطرافَ البيداءْ
والسيفَ
ورأسَ الرمحِ
ورأسَ القلم النازفِ مثل الجرحِ
وقرطاسَ البلغاءْ
وبأنّ الأعمى ينظر في أدبي
والصُمَّ أصاخوا لكلامي
ويسير الكُسَحاءُ بسحرِ بياني
لستُ وضوحَ زماني
وكياني
كي أُعطي ما لا أملكُهُ
لستُ الشمسَ
ولكنّي غَبَشُ الليل
صدى أصواتِ الأرواحِ السوداءْ
فإذا ما جَمَّعَ من عدمِ الأشياء مصوّرُها
جَسَدي
أرسلتُ يدي
كي تمحو ما يثبت من عَدَمِ الأشياءْ
حتّى لكأنّي «لا»
في أصلِ «نَعَمْ»
أَوْ أَنّي
وسواسُ الفكرةِ
إذ تصفن أو تحرنُ بين الحرفين


- 2 -
يعلو صرحٌ فوق أصابعِ أحلامي
فإذا ما هَبَّتْ ريحٌ تشبهُني
لا أتهدّمْ
بل أمضي مثل الغيمة في الصحراءْ
وحدي
(أو أنتَ معي لافرقَ...)
أنا وحدي
وأنا (لو تعلمُ) من قومٍ
من أصلِ الجِنِّ
وإنْ كانوا في زيّ الناسْ
جوّابينَ صحاري
عَبَروا
فوق طيورٍ
أو فوق شخوص جِمالْ
وهُمو فوضى ريح هوجاءْ
فإذا سلَّمتَ علينا
فاحذرنا
وتحسّسْ أصل ذراعِكَ في جَسدِكْ
وتوسَّلْ
أن يتداركنا (نحنُ وأنتَ) اللهُ
ويرحمَ غربتنا
تُهْنا
حين انفصَلتْ «كافُ» الخَلْقِ بأمّتنا
عن متنِ «النونِ»... خَمَدْنا حتّى مِتْنا
أو كِدْنا...


- 3 -
- مَنْ أنتَ
وما تبغي؟
من نحنُ؟
... وتسألني في كل زمانٍ ومكانْ
وتريد جوابًا يشفيك من الحيره
إني الحيره
هل تفهم معنى سردابٍ
يدخل فيه (كي لايخرجَ) إنسانْ؟
هل تفهم «لا» و«نعم» وإليكَ وضدّكَ في آنْ؟
وأحبُّكَ حتى الموت
أموت بحبّك حتّى
لايُعْرفُ مَنْ فينا يقتُلُ مَنْ
أو
مَنْ فينا يُحيي الآخَرْ؟
وأريدُ جَمالَكَ لو يتحطّم بين يديَّ
لأصنعه ثانيةً
فأنا القولُ
ونَفْيُ القولِ
وسابقُ نفسي في أرضِكْ
أرأيتْ؟
(مَثلاً...)
لو مالت هذي الأرض على كفّة ميزانْ
لأشرْتُ لها بالكفّ: اعتدلي/فاعتدلتْ
أو أنَّ جبالاً خَرَجَتْ لمنازلتي
لهدمتُ مناعتَها بالسّبابهْ
......
هَلْ تضحكُ منّي أمْ تبكي؟
وتقول بسرّكَ: مَنْ هذا؟
أَشِرٌ أمْ عرّافْ؟
وحكيمٌ أم ساحرْ؟
وتُذكّرني بأبي...
(سقّاءِ الكوفةِ
مَنْ لا يعرفُه أحدٌ؟)
.... لا أعرفُهُ:
رجلٌ ماتَ ليولد منّي ثانيةً
فأنا والدُ والدِ آبائي...
...
وتذكّرني بالعبد الأسودِ
حين نَصَبْتُ له عرشًا في «مصر» من الكلماتِ
وقلتُ له: كُنْ مَلِكا...
فأقامَ عليهِ وكانَ لهُ ما ليسَ لهُ
حتى أَذِنَتْ لي كلماتي
فصرختُ به: هذا عرشي
وخرجتُ
لكي أحفظ مملكتي
من كذبِ الشعراءْ
أتضحكُ منّي أم تبكي؟
(... كذب الشعراء...)
حَسَنًا
سأحيّركُم في أمري
مادامت في الأرض الكلماتْ





محمد على شمس الدين