October 31, 2011

أنت .. يا من هناك








طوال فترات انقطاعه لم تتوقف رسائله إليٌ.
وسوف أسمح لنفسي هنا بأن أنشر واحدة من هذه الرسائل:


'البحر، 9 يونيو 1969، مقعد خاص، أصفر بمظلة.
إبراهيم،
أيها الوغد.
أردت أن أراك، أقبلك.
من بلاهة هذا الزمان أن لا يمكنني أن أراك كما أحب.
الوسيلة البدائية العاجزة لحد البله..
وسيلتنا المكتوبة، استعملها لأراك.
أكتب لك.
كيف نتناول الحكمة لتضمد هذا الجرح؟
إمبابة، وأنت، وحجرة الكتب، وحانوت الحلاق، والقلة فوق الحافة، وأنا وأنت في حلق الجامعة.. 'سفر الجامعة' يثير فينا الاندهاش.
'كنا قرأنا العهد القديم سويا'
إبراهيم يا وغد.
الإسكندرية رطبة فارغة لا تثير مخزون قاع الأشياء.
تزدحم الأشياء..
تتراكم فوق بعضها وتستسلم للنعاس..
وتموت الدوامة في صمت.
كيف العودة إلي الديار من جديد يا وغد؟
الذين في يدهم العودة قتلوها بالتجاهل المستبد..
اصحوا يا سادة الكون الغريق.
تمردت علي العمل أمس.
لم أذهب إلي المتحف اليوم.
جلست في مواجهة الكورنيش لأراك.
أنت يا صديقي كيف تعيش؟
كيف تلعب لعبة الاستمرار؟
كيف تتناول زادك؟
هل تلعب لعبة الكتابة؟
في مأواك أراك..
في اضطجاعك أراك..
في الساعات المتلاحقة أراك..
تنكب علي الأشياء المزروعة بين دفتي ما يسمي بكتاب.
عصر الشهداء موجود..
شهداء ملايين الكلمات..
شهداء بحر الوعي..
إلي أين يا إبراهيم؟
فررت من القاهرة..
لكن هذه المدينة حقيقية يا إبراهيم..
كل من خارجها يلعب ألعابه لتحدث المعجزة وتلتفت مرة إليه.
يا إبراهيم..
واصل إثارتي ليجخرج المخزن الثاني تراكمات السنين.
لو لم تكن أنت ما كنت قد جئت إلي البحر والكرسي الأصفر الدائر تحت المظلة في منتصف طريق الكورنيش وجلست أكتب لك.
قلت عن حياة تتحرك عندكم.
كن بديل عيني وقل لي:
ما دورنا فيها؟
اليوم رأيت فاروق منيب 'القاص والمحرر الثقافي الراحل' يجلس فوق دكة صفحته الجديدة في المساء 'يقصد الجريدة'
لم تقل لي متي أحضر لتناول القربان من خزينة الجمهورية 'يقصد صرف مكافأة قصة منشورة له
'عبدالفتاح الجمل 'أحد قوي الخير النادرة في حياتنا الثقافية' توهج المساء.
تركه.. غادره..
يا فتي حرك شهيتك معي لنقيم مآدبنا.
هل سيحدث مرة ثانية أن تحرك غيبوبتك؟
تركب القطار.. تنزل الإسكندرية.. تذهب إلي البحر..
تسأل عن عنواني، ثم تكف..
وتعود إلي القاهرة بذكريات يوم تقضيه ولا أراك؟
'كنت قد ذهبت لزيارته ولم أعثر علي بيته وكتبت له عن ذلك'
لو لم يغادر الهارب مدينتكم لكان قد حاكم بعض الذين يحاكمون غيرهم الآن.
أنتظر بلهفة كميات كثيرة من نفسك.
أقرأ بشكل مرعب..
عدت إلي أرسين لوبين..
الفرسان الأربعة.. إسكندر ديماس..
آخر ما قرأت قصيدة لمايكوفسكي..
هذا الوغد يثيرني لأبحث عنه.
هل تعرف طريقة لإيصال السلام لإبراهيم فتحي؟
لقد فقدت بعد العودة عنوانه.. وأحس بالذنب لأنني لم أرسل له السلام.
رسالتك الأخيرة عملت شيئا غريبا 'تناولت الرسائل القادمة لي من كل مكان.. جمعتها.. كوما..
وفقدتها إلي الأبد
كيف حال أسرتك؟
يا للشوق يا ولد..
مشكلة تحويل الزمن.. مرعبة.
أكتفي هنا.. إلي لقاء..
أخوك..
حافظ'.










إبراهيم أصلان
جزء من " أنت .. يا من هناك " .. خلوة الغلبان