March 22, 2013

الثورة العرابية

...
الثورة العرابية
عبد الرحمن الرافعي
دار المعارف 1983
...
يحمّل الرافعي الثورة العرابية مسئولية الاحتلال الانجليزي في كل خطواتها من أول بوادرها حتى فترة انتصارها الدستوري ثم هزيمتها العسكرية في كل موقف اتخده قادتها صائبا كان فيصفه بالمغلاة والطيش السياسي أو خاطئا فيغالي في نقده حتى يكاد يكون سببا في كل ما لاقته البلاد من المصائب على طول تاريخها!!
يتبع الرافعي في تحليلة لحوادث الثورة العرابية أسلوبا مغايرا لتحليلاته السياسية في بقية سلسلة كتبه التأريخية فيعتمد تحليله على فرضيات مستحيلة منطلقا من فخ "لو"؛ فلو حدث كذا لتبعه كذا وكذا ولم تصب مصر بالاحتلال، ولو حدث كذا لكانت مصر الآن مستقلة في أوائل مصاف الدول الدستورية. يعمي عينيه عن ترصد الانجليز لمصر "وهو الذي نظّر لذلك كثيرا في كتبه الأخرى" !!
كمثال هام يوضح هذا الحيد الواضح في تحليل الرافعي لأحداث الثورة العرابية، عندما وصل الأسطول الإنجليزي لميناء الإسكندرية قبل الاحتلال مباشرة ادعى قائد الأسطول أنه قادم ليثبت سلطة الخديو ضد الظباط العاصين لأوامره وطلب إبعاد عرابي "قائد الجيش وناظر الجهادية" خارج البلاد هو وزميليه علي فهمي وعبد العال حلمي مقابل عودة الأسطول الإنجليزي بعيدا عن الإسكندرية. فرفض عرابي ذلك العرض المخزي ليقوم بواجبه في الدفاع عن البلاد كقائد عسكري. فيحملّه الرافعي هنا مسئولية الاحتلال بحجة إنه غلّب مصلحته الشخصية على المصلحة العامة للبلاد !! ويقول "أليس خروجه في هذا الوقت كان أشرف له من الخروج منفيا بعد هزيمته العسكرية؟" !!!! والحق أن الهزيمة العسكرية أشرف من الهروب من البلاد وتسليم قرارها السياسي ومقدراتها تسلميا تاما لقائد جيش أجنبي.
يشارك الرافعي بذلك كثير من المؤرخين في توجه تأريخي مضلل عن الثورة العرابية يقلل من قدرها ونزاهتها ويحملها ما لا تسئل عنه مباشرة بل يسئل عنه من نقل القرار السياسي للبلاد خارجها بخلق لظروف المهيئة لذلك على مدى عقدين كانت كل القرارات السياسية فيها تهدم في مشروع الاستقلال وتقدم خطوة كبيرة للهيمنة الأجنبية على القرار السياسي المصري.
الثورة العرابية قدمت لمصر استقلالا مشرفا وحكومة دستورية لم تحظ بهما مصر من قبل لكن التربص الإنجليزي للبلاد كان هادما لهذا المشروع يساعده في ذلك الخديو المتخاذل الذي قامت الثورة ضده.