لم
يعش ماركيز ليروي فقط، وإنما ليؤسس فن الرواية من جديد وليعيد ترسيخ قواعده بعد أن
أرهقه الأوروبيون كثيرا بالتخبط بين المدارس المختلفة التي خرجت بالرواية بعضا عن
مضمونها الأساسي وأفرغتها منه كلية في بعض آخر، فعاد بها ماركيز إلى حيث يجب أن
تظل حاضرة.
بعد
ثاني عمل أقرأه لماركيز، بجانب مناقشات عديدة عنه وعن أعماله الأخرى التي سأقرأها –بالتأكيد-قريبا، أظن أنه –ماركيز- يحترف الحكي والرواية بشكل عمودي وليس أفقي كما هو الشائع
في الرواية؛ أي لا يلتزم بالتتابع الزمني للحكي وإنما يتنقل بطول الرواية حول محور
الزمن بحرفية حكاء ماهر دون أن يسقط القارئ منه أبدا. بل إن هذا التنقل نفسه وهذا
الحكي/الكتابة العمودي هو ما يضيف السحر الماركيزي على الرواية، وذلك في تحديه
للقارئ بـ (إصراره على حرق رواياته بنفسه) كما تقول تسنيم؛ فيخبرك بشكل عفوي أثتاء
الحكي كيف سينتهي مصير فلان أو كيف سينتهي هذا الموقف في النهاية قبل أن يستكمل
تفاصيله، أو ربما يبدأ الرواية نفسها بإخبارك بالنهاية جلية غير مشوبة بالشك أو
التأويل!!. ورغم ذلك يظل واثقا باستمرار القارئ ليؤكد بذلك أن استمراره في القراءة
مرهون بالحكي الماركيزي، بفعل الحكي نفسه وليس فقط بالحكاية التي اتفقنا أولا كيف
ستنتهي.
No comments:
Post a Comment